تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

يزلقونك : ينظرون نظرا شديدا يكاد يصرعك ويسقطك من مكانك لبغضهم لك .

الذكر : القرآن .

وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون .

من شدة عداوة الكافرين وتأثير البغضاء والحقد في نفوسهم ، ينظرون إليك نظر الحقد والحسد أن منّ الله عليك بالنبوة والرسالة ، ويتهمونك بالجنون والهذيان .

جاء في تفسير أبي سعود ما يأتي :

والمعنى : إنهم من شدة عداوتهم لك ينظرون إليك شزرا ، بحيث يكادون يصيبونك بالعين ، إذ قد روي أنه كان في بني أسد عيّانون ، فأراد بعضهم أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظر عينه إليه ، فنزلت .

وفي الحديث : ( إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر )xvi . ولعله من خصائص بعض النفوسxvii

وعن الحسن : دواء الإصابة بالعين أن تقرأ هذه الآية : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون* وما هو إلا ذكر للعالمين .

من كتاب

( روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني )

للعلامة الآلوسي البغدادي

أي : يكادون يصيبونك بالعين ، إذ روى أنه كان في بني أسد عيّانون ، فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت .

وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ، ثم يرفع جانب خبائه فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه ، فتسقط طائفة منها وتهلك ، فاقترح الكفار عليه أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجابهم وأنشد :

قد كان قومك يحسبونك سيدا *** وإخال أنك سيد معيون

فعصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأنزل عليه هذه الآية ، وقد قيل : إن قراءتها تدفع ضرر العينxviii .

وعلّق الآلوسي قائلا : وأنا لا أزيد على القول بأنّه من تأثيرات النفوس ، ولا أكيّف ذلك ، فالنفس الإنسانية من أعجب مخلوقات الله عز وجل ، وكم طوى فيها أسرارا وعجائب تتحير فيها العقول ، ولا ينكرها إلا مجنون أو جهول . ولا يسعني أن أنكر العين لكثرة الأحاديث الواردة فيها ، ومشاهدة آثارها على اختلاف الأعضاءxix .

أما صاحب الظلال فيقول :

وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم . . .

فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتجعلها تزلّ وتزلق ، وتفقد توازنها على الأرض وثباتها ، وهو تعبير فائق عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق ، وشر وحسد ، ونقمة وضغن ، وحمّى وسمّ ، مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح ، والشتم البذيء ، والافتراء الذميم .

ويقولون إنه لمجنون .

وهو مشهد تلتقطه الريشة المبدعة ، وتسجله من مشاهد الدعوة العامة في مكة ، فهو لا يكون إلا في حلقة عامة ، بين كبار المعاندين المجرمين ، الذين ينبعث من قلوبهم وفي نظراتهم كل هذا الحقد الذميم المحموم .