وفي قوله تعالى : { ويصنع الفلك } قولان : أحدهما : أنه حكاية حال ماضية ، أي : في ذلك الوقت كان يصدق عليه أنه يصنع الفلك . الثاني : التقدير فأقبل يصنع الفلك فاقتصر على قوله : { ويصنع الفلك } ثم إنّ نوحاً عليه السلام أقبل على عملها وَلَهَى عن قومه وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ عدّة الفلك من القار وغيره ، وجعل قومه يمرّون عليه ويسخرون منه كما قال تعالى : { وكلما مرّ عليه ملأ } أي : جماعة { من قومه سخروا منه } أي : استهزؤوا به ويقولون يا نوح قد صرت نجاراً بعدما كنت نبياً ، فأعقم الله أرحام نسائهم فلا يولد لهم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : اتخذ نوح عليه السلام السفينة في سنتين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع ، وكانت من خشب الساج ، وجعل لها ثلاثة بطون ، فجعل في البطن الأوّل الوحوش والهوامّ ، وفي البطن الأوسط الدوابّ وركب هو ومن معه البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد . وقال قتادة : كان في بابها في عرضها .
وروي عن أنس : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة . وقيل : إنّ الحواريين قالوا لعيسى عليه السلام : لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة يحدّثنا عنها ، فانطلق بهم حتى انتهى بهم إلى كثيب من تراب فأخذ كفاً من ذلك التراب فقال : أتدرون من هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال كعب بن حام ، قال فضرب الكثيب بعصاه فقال : قم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض عن رأسه التراب وقد شاب ، فقال له عيسى عليه السلام : هكذا هلكت . قال : لا ولكن مت وأنا شاب ولكنني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت قال : حدّثنا عن سفينة نوح ؟ قال : كان طولها ألف ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات ؛ طبقة للدواب والوحوش وطبقة للإنس وطبقة للطير ، ثم قال له : عد بإذن الله تعالى كما كنت فعاد تراباً . قال البغوي : والمعروف أن طولها ثلاثمائة ذراع . وعن زيد بن أسلم قال : مكث نوح مائة سنة يغرس الأشجار ومائة سنة يعمل الفلك .
وعن كعب الأحبار : أنّ نوحاً عمل السفينة في ثلاثين سنة . وروي أنها كانت ثلاث طبقات : الطبقة السفلى للدواب والوحوش ، والطبقة الوسطى فيها الإنس ، والطبقة العليا فيها الطير ، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث ، ولما أفسد الفأر في السفينة فجعل يقرض حبالها ؛ أوحى الله تعالى إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة وهو القط فأقبلا على الفأر فأكلاه . قال الرازي : واعلم أنّ أمثال هذه المباحث لا تعجبني لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة ، ولا يتعلق بمعرفتها فائدة البتة ، فكان الخوض فيها من باب الفضول ، لاسيما مع القطع بأنه ليس هاهنا ما يدل على الجانب الصحيح ، والذي نعلمه أنها كانت في السعة بحيث تسع المؤمنين من قومه ، وما يحتاجون إليه ولحصول زوجين من كل حيوان ؛ لأنّ هذا القدر مذكور في القرآن . وما آمن معه إلا قليل ، فأما تعيين ذلك القدر فغير معلوم .
{ قال } لهم لما سخروا منه { إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون } إذا نجونا وغرقتم . فإن قيل : السخرية لا تليق بمنصب النبوّة ؟ أجيب : بأنّ ذلك ذكر على سبيل الازدواج في مشاكلة الكلام كما في قوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى ، 40 ] والمعنى إن تسخروا منا فسترون عاقبة سخريتكم وهو قوله تعالى : { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.