السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا} (81)

ثم أمره الله تعالى أن يخبر بالإجابة بقوله تعالى : { وقل } أي : لأوليائك وأعدائك { جاء الحق } وهو ما أمرني به ربي وأنزله إليّ { وزهق } أي : اضمحل وبطل وهلك { الباطل } وهو كل ما يخالف الحق ثم علل زهوقه بقوله تعالى : { إنّ الباطل } أي : وإن ارتفعت له دولة وصولة { كان } في نفسه بجبلته وطبعه { زهوقاً } أي : لا يبقى بل يزول على أسرع الوجوه وقت وأسرع رجوع قضاء قضاه الله تعالى من الأزل قوله على أسرع الوجوه وقت الخ هكذا في جميع النسخ ولعله على أسرع الوجوه كل وقت ويرجع اه .

روى البخاري في التفسير عن ابن مسعود قال : «دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً صنم كل قوم بحيالهم فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : { جاء الحق وزهق الباطل } فجعل الصنم ينكب لوجهه » حديث وعن ابن عباس كانت لقبائل العرب أصنام يحجون إليها ويخرون لها فشكى البيت إلى الله تعالى فقال : أي : رب إلى متى تعبد هذه الأصنام حولي دونك فأوحى الله تعالى إلى البيت أني سأحدث لك نوبة جديدة فاملؤك خدوداً سجداً يدفون إليك دفيف النسور ويحنون إليك حنين الطير إلى بيضها لهم عجيج حولك بالتلبية .

ولما نزلت هذه الآية يوم الفتح جاء جبريل عليه السلام وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ مخصرتك ثم ألقها فجعل يأتي صنماً صنماً وهو ينكت بالمخصرة في عينه ويقول : { جاء الحق وزهق الباطل } فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعاً وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان قوارير صفر فقال : «يا علي الزم به » فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد ورمى به فكسره فجعل أهل مكة يتعجبون ويقولون : ما رأينا رجلاً أسحر من محمد . قال الزمخشري : وشكاية البيت والوحي إليه تخييل وتمثيل .