{ فكلي } أي : من الرطب { واشربي } من السري أو كلي من الرطب واشربي من عصيره ، { وقرّي عيناً } أي : وطيبي نفسك وارفضي عنها ما أحزنها ، وقدّم الأكل على الشرب لأن حاجة النفساء إلى الرطب أشدّ من احتياجها إلى شرب الماء لكثرة ما سال منها من الدم .
فإن قيل : إن مضرة الخوف أشدّ من مضرة الجوع والعطش لأن الخوف ألم الروح والجوع ألم البدن وألم الروح أقوى من ألم البدن ، روي أنه أجيعت شاة فقدّم إليها علف وعندها ذئب فبقيت الشاة مدّة مديدة لا تتناول العلف مع جوعها خوفاً من الذئب ، ثم كسر رجلها وقدم إليها العلف فتناولت العلف مع ألم البدن فدل ذلك على أن ألم الخوف أشدّ من ألم البدن ، وإذا كان كذلك فلم قدّم ضرر الجوع والعطش على دفع ضرر الخوف ؟
أجيب : بأنّ هذا الخوف كان قليلاً لأنّ بشارة جبريل عليه السلام كانت قد تقدّمت فما كانت تحتاج إلا إلى التذكير مرة أخرى ، وقيل : قرّي عيناً بولدك عيسى وقيل : بالنوم فإنّ المهموم لا ينام ، وقوله : { فإمّا } فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة { ترينّ } حذفت منه لام الفعل وعينه وألقيت حركتها على الراء وكسرت ياء الضمير لالتقاء الساكنين ، { من البشر أحداً } ينكر عليك { فقولي } يا مريم لذلك المنكر جواباً له مع التأكيد تنبيهاً على البراءة لأن البريء يكون ساكناً لاطمئنانه والمرتاب يكثر كلامه وحلفه ، { إني نذرت للرحمن } أي : الذي عمت رحمته { صوماً } أي : إمساكاً عن الكلام في شأنه وغيره مع الإناسي بدليل { فلن أكلم اليوم إنسياً } فإنّ كلامي يقبل الردّ والمجادلة ، ولكن يتكلم عني المولود الذي كلامه لا يقبل الدفع وأمّا أنا فأنزه نفسي عن مجادلة السفهاء ، قالوا : ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافهاً فلا أكلم إلا الملائكة أو الخالق بالتسبيح والتقديس وسائر أنواع الذكر .
وقيل : صياماً لأنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم فعلى هذا كان ذكر الصوم دالاً على الصمت وهذا النوع من النذر كان جائزاً في شرعهم ، وهل يجوز مثل هذا النذر في شرعنا ؟ قال القفال : لعله يجوز لأنّ الاحتراز عن كلام الآدميين وتجريد الفكر بذكر اللّه تعالى قربة ولعله لا يجوز لما فيه من التضييق وتعذيب النفس كنذر القيام في الشمس ، وروي أنه دخل أبو بكر رضي اللّه عنه على امرأة قد نذرت أنها لا تتكلم فقال أبو بكر : إنّ الإسلام قد هدم هذا فتكلمي .
تنبيه : اختلفوا في أنها هل قالت لهم : { إني نذرت للرحمن صوماً } ؟ فقال قوم : إنها ما تكلمت معهم بذلك لأنها كانت مأمورة بأنها تأتي بهذا النذر فلو تكلمت معهم بعد ذلك لوقعت في المناقضة ولكنها سكتت وأشارت برأسها وقال آخرون : إنها ما نذرت في الحال بل صبرت حتى أتاها القوم فذكرت لهم أنها نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا بعد هذا الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.