السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

فلما سمع إبراهيم عليه السلام كلام أبيه أجاب بأمرين أحدهما : أن { قال } له مقابلاً لما كان منه من طيش الجهل بما يحق لمثله من رزانة العقل والعلم { سلام عليك } توديع ومتاركة أي : سلمت مني لا أصيبك بمكروه ما لم أؤمر فيك بشيء فإنه لم يؤمر بقتاله على كفره كقوله : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } [ القصص ، 55 ] { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } [ الفرقان ، 63 ] وهذا يدل على جواز متاركة المنصوح إذا ظهر منه اللجاج وعلى أنه يحسن مقابلة الإساءة بالإحسان ويجوز أن يكون دعاء له بالسلامة استمالة ، ألا ترى أنه وعده بالاستغفار فيكون سلام برّ ولطف وهو جواب الحليم للسفيه كقوله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } [ الفرقان ، 63 ] ثم استأنف قوله : { سأستغفر لك ربي } أي : المحسن إليّ بأن أطلب لك منه غفران ذنوبك بأن يوفقك للإسلام { إنه كان بي حفياً } أي : مبالغاً في إكرامي مرّة بعد مرّة وكرّة في إثر كرّة وقد وفىّ بوعده بقوله المذكور في الشعراء : { واغفر لأبي } [ الشعراء ، 86 ] وهذا قبل أن يتبين له أنه عدوّ لله كما ذكره في براءة .