السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمۡ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ} (70)

رابعها : أنّ يعتقدوا فيه الجنون فيقولوا إنما حمله على ادعائه الرسالة جنونه ، وهو المراد من قوله تعالى :

{ أم يقولون } أي : بعد تدبر ما أتى به وعدم عثورهم فيه على وجه من وجوه الطعن { به } أي : رسولهم { جنة } أي : جنون فلا يوثق به .

ولما كانت هذه الأقسام منفية عنه فإنهم أعرف الناس بهذا النبي الكريم ، وإنه أكملهم خلقاً وأشرفهم خلقاً ، وأظهرهم شيماً ، وأعظمهم همماً ، وأرجحهم عقلاً وأمتنهم رأياً ، وأرضاهم قولاً وأصوبهم فعلاً أضرب عنها وقال تعالى : { بل } أي : لم ينكصوا عند سماع الآيات ويسمروا ويهجروا لاعتقاد شيء مما مضى ، وإنما فعلوا ذلك لأنّ هذا الرسول الكريم { جاءهم بالحق } أي : القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام ، وقال الجلال المحلي : الاستفهام فيه للتقرير بالحق من صدق النبي ومجيء الرسول للأمم الماضية ومعرفة رسولهم بالصدق والأمانة وأنّ لا جنون به ، وبل للانتقال { وأكثرهم } أي : والحال أنّ أكثرهم { للحق كارهون } متابعة للأهواء الردية والشهوات البهيمية عناداً ، وإنما قيد تعالى الحكم بالأكثر ؛ لأنّ بعضهم يتركه جهلاً وتقليداً وخوفاً من أنّ يقال صبأ ، وبعضهم يتبعه توفيقاً من الله تعالى وتأييداً .