فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمۡ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ} (70)

والرابع قوله : { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } هذا أيضا انتقال من توبيخ إلى توبيخ أي بل أيقولون به جنون ؟ مع أنهم قد علموا أنه أرجح الناس عقلا وأثقبهم ذهنا وأوجههم لبا ، ولكنه جاء بما يخالف هواهم ، فدفعوه وجحدوه تعصبا وحمية ، وسيأتي خامس في قوله ، { أم تسألهم خرجا } ، ثم أضرب سبحانه عن ذلك كله فقال : { بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ } أي ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول ، بل جاءهم متلبسا بالحق ، والحق هو الدين القويم ، أو القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام ، وعن أبي صالح قال : الحق هو الله عز وجل .

{ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } لما جبلوا عليه من التعصب والانحراف عن الصواب والبعد عن الحق ، فلذلك كرهوا هذا الحق الواضح الظاهر ، والمراد بالحق هنا أعم من الأول ؛ فلذلك أتى به مظهرا في مقام المضمر ، وظاهر النظم القرآني أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق ولكنهم لم يظهروا الإيمان خوفا من الكارهين له أو لقلة فطنتهم وعدم فكرتهم لا لكراهة الحق .