السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدٗا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤۡذَنَ لَكُمۡۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُواْ فَٱرۡجِعُواْۖ هُوَ أَزۡكَىٰ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (28)

{ فإن لم تجدوا فيها } أي : البيوت { أحداً } يأذن لكم في دخولها { فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم } أي : حتى يأتي من يأذن لكم فإن المانع من الدخول فيها ليس الاطلاع على العورات فقط ، وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي تطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ولأنه تصرف في ملك غيرك ، فلا بد أن يكون برضاه وإلا أشبه الغصب والتغلب { وإن قيل لكم ارجعوا } أي : بعد الاستئذان { فارجعوا } أي : إذا كان في البيت أحد ، وقال لكم : ارجعوا فارجعوا { هو } أي : الرجوع { أزكى } أي : أطهر وأصلح { لكم } من الوقوف على الأبواب منتظرين ؛ لأن هذا مما يجلب الكراهة ويقدح في قلوب الناس خصوصاً إذا كانوا ذوي مروءة مرتاضين للآداب الحسنة وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس ، وعن أبي عبيد رحمه الله تعالى : ما قرعت باباً على عالم قط ، وكفى بقصة بني أسد زاجرة وما نزل فيها من قوله تعالى : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } ، [ الحجرات ، 4 ] وعن قتادة رحمه الله تعالى : إذا لم يؤذن له لا يقعد وراء الباب فإن للناس حاجات ، وإن حضر ولم يستأذن وقعد على الباب منتظراً جاز ، وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يأتي باب الأنصاري لطلب الحديث فيقعد على الباب حتى يخرج ، ولا يستأذن فيخرج الرجل فيقول : يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أخبرتني فيقول : هكذا أمرنا أن نطلب العلم ، فإذا وقف فلا ينظر من شق الباب إذا كان الباب مردوداً لما روي عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من اطلع في بيت قوم فقد حل لهم يفقؤوا عينه » وفي رواية للنسائي قال : «لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته ففقأت عينه ما كان عليك جناح » ، ولو عرض أمر في دار من حريق أو هدم أو هجوم سارق أو ظهور منكر يجب إنكاره جاز الدخول بغير إذن { والله } أي : الذي لا يخفى عليه شيء { بما تعملون } من الدخول بإذن وبغير إذن { عليم } فيجازيكم عليه .