وأيضاً قوله : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا ( حتى يُؤْذَنَ لَكُمُ }{[34419]} ){[34420]} فمنع الدخول إلا مع الإذن ، فدل على أن الإذن شرط في إباحة الدخول في الآية الأولى .
وإذا ثبت هذا فنقول : لا بد من الإذن أو ما يقوم مقامه ، لقوله عليه السلام{[34421]} «إذا دُعِيَ أحدُكُم فجاء مع الرسول فإنَّ ذلك له إذن »{[34422]} .
وقال بعضهم : إن من جرت العادة له بإباحة الدخول فهو غير محتاج إلى الاستئذان{[34423]} . واعلم أن ظاهر الآية يقتضي قبول الإذن مطلقاً سواء كان الآذن{[34424]} صبياً أو امرأة أو عبداً أو ذمياً ، فإنه لا يعتبر في هذا الإذن صفات الشهادة ، وكذلك قبول إحضار{[34425]} هؤلاء في الهدايا ونحوها .
ويستأذن على المحارم ، «لما روي أن رجلاً سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : «أأستأذن على أختي ؟ » فقال عليه السلام{[34426]} : «نَعَمْ ، أتحب أن تراها عريانة ؟ » {[34427]} وسأل رجل حذيفة : «أأستأذن على أختي ؟ » فقال : «إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوؤك » . ولعموم قوله : { وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ }{[34428]} [ النور : 59 ] إلا أنَّ ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز أيسر لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوه {[34429]} .
إذا اطلع{[34430]} إنسان في دار إنسان بغير إذنه ففقأ عينه فهي هدر ، لقوله عليه السلام{[34431]} : «مَن اطَّلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه »{[34432]} .
وقال أبو بكر الرازي{[34433]} : هذا الخبر ورد على خلاف قياس الأصول ، فإنه لا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامناً ، وكان عليه القصاص إن كان عامداً ، والأرش{[34434]} إن كان مخطئاً ، والداخل قد اطَّلع وزاد على الاطلاع ، فظاهر الحديث مخالف لما حصل عليه الاتفاق ، فإن صحَّ فمعناه : من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم فمنع فلم يمتنع فذهب عينه في حال الممانعة فهي هدر ، فأما إذا لم يكن إلا النظر ولم يقع فيه ممانعة ولا نهي ثم جاء إنسان ففقأ عينه فهذا جان{[34435]} يلزمه حكم جنايته لظاهر قوله تعالى : «العَيْن بِالعَيْنِ » إلى قوله : «والجُرُوحَ قِصَاصٌ »{[34436]} .
وأجيب بأن التمسك بقوله : «العَيْنُ بِالعَيْنِ » ضعيف ، لأنا أجمعنا على أن هذا النص مشروط بما إذا لم تكن العين مستحقة ، فإنه لو كانت مستحقة القصاص ، فلم قلت : إن من اطَّلع في دار إنسان لم تكن عينه مستحقة ؟
وأما قوله : إنه لو دخل لم يجز فقء عينه ، فكذا إذا نظر .
والفرق بينهما أنه إذا دخل ، علم القوم بدخوله عليهم ، فاحترزوا عنه وتستروا ، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين{[34437]} بذلك فيطلع منهم على ما لا يجوز الاطلاع عليه ، فلا يبعد في حُكْم الشرع أن يبالغ هنا في الزجر حسماً لهذه المفسدة .
وأيضاً فردّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا القدر من الكلام ليس جائزاً{[34438]} .
إذا عرض أمر في دار من حريق أو هجوم سارق ، أو ظهور منكر فهل يجب الاستئذان ؟ فقيل : كل ذلك مستثنى بالدليل{[34439]} .
فأما السلام فهو من سنة{[34440]} المسلمين التي أمروا بها ، وهو تحية أهل الجنة ، ومجلبة للمودة ، ونافٍ للحقد والضغائن .
قال عليه السلام{[34441]} : «لمَّا خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله ، فحمد الله بإذن الله ، فقال له الله : يرحمك ربك يا آدم ، اذهب إلى هؤلاء الملائكة ( وهم ){[34442]} ملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم ، فلما فعل ذلك رجع إلى ربه فقال : هذه تحيتك وتحية ذريتك »{[34443]} وعن عليّ بن أبي طالب{[34444]} قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «حق المسلم على المسلم ست : يسلِّم عليه إذا لقيه ، ويجيبه إذا دعاه ، وينصح له بالغيب ، ويشمِّته إذا عطس ، ويعوده إذا مرض ، ويشهد{[34445]} جنازته إذا مات » {[34446]} .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن سرَّكم أن يسل{[34447]} الغل من صدروكم فأفشوا السلام بينكم »{[34448]} .
قوله : { ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ } .
أي : إن فعل ذلك خير لكم وأولى بكم من الهجوم بغير إذن «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » أي : لتذكروا هذا التأديب فتتمسكوا به { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا } أي : فإن لم تجدوا في البيوت «أَحَداً » يأذن لكم في دخولها { فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى يُؤْذَنَ لَكُمُ } لجواز أن يكون هناك أحوال مكتومة ، { وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا } وذلك أنه كما يكون الدخول قد يكرهه صاحب الدار ، فكذلك الوقوف على الباب قد يكرهه ، فلا جرم كان الأولى له أن يرجع { هُوَ أزكى لَكُمْ } أي : الرجوع هو أطهر وأصلح لكم{[34449]} .
قال قتادة : إذا لم يؤذن له فلا يقعد على الباب ، فإنَّ للناس حاجات ، وإذا حضر فلم يستأذن وقعد على الباب منتظراً جاز .
كان ابن عباس يأتي الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب ( حتى يخرج ){[34450]} ولا{[34451]} يستأذن ، فيخرج الرجل ويقول : «يا ابنَ عم رسول الله لو أخبرتني » فيقول : هكذا أمرنا أن نطلب العلم . وإذا وقف فلا ينظر من شق الباب إذا كان الباب مردوداً لما روي أن رجلاً اطلع على النبي - صلى الله عليه وسلم - من ستر الحجرة ، وفي يد النبي - صلى الله عليه وسلم - مدراء ، فقال{[34452]} : «لو علمتُ أن هذا ينظرني حتى آتيه لَطَعْنتُ بالمدراء في عينه ، وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر »{[34453]} .
قوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } أي : من الدخول بالإذن وغير الإذن .
ولما ذكر الله تعالى حكم الدور المسكونة ذكر بعده حكم الدور التي هي غير مسكونة فقال : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.