السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

والحكم السابع حكم النظر المذكور في قوله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } أي : عما لا يحل لهم نظره { ويحفظوا فروجهم } أي : عما لا يحل لهم فعله بها .

تنبيه : من للتبعيض ، والمراد غض البصر عما لا يحل كما مرَّ والاقتصار به على ما يحل ، وجوّز الأخفش أن تكون مزيدة وأباه سيبويه .

فإن قيل : لم دخلت من في غض البصر دون حفظ الفرج ؟ أجيب : بأن في ذلك دلالة على أن المراد أن أمر النظر أوسع بدليل جواز النظر للمحارم فيما عدا ما بين السرة والركبة ، وأما نظر الفروج فالأمر فيه ضيق وكفاك فرقاً أن أبيح النظر إلا ما استثني منه ، وحظر الجماع إلا ما استثني منه ، ويجوز أن يراد مع حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحل حفظها عن الإبداء ، وعن ابن زيد : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلا هذا فإنه أراد به الاستتار .

فإن قيل : لم قدم غض البصر على حفظ الفرج ؟ أجيب : بأن البلوى فيه أشد . وروي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال : «اصرف بصرك » . وعن بريدة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية » أخرجه أبو داود والترمذي ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد » { ذلك } أي : غض البصر وحفظ الفرج { أزكى } أي : خير { لهم } لما فيه من البعد عن الريبة ، سئل الشيخ الشبلي رحمه الله تعالى عن قوله تعالى : { يغضوا من أبصارهم } ، فقال : أبصار الرؤوس عن المحرمات وأبصار القلوب عن المحرمات ، ثم أخبر سبحانه وتعالى بأنه خبير بأحوالهم وأفعالهم بقوله تعالى : { إن الله } أي : الملك الذي لا يخفى عليه شيء { خبير بما يصنعون } بسائر حواسهم وجوارحهم ، فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون .