تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدٗا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤۡذَنَ لَكُمۡۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُواْ فَٱرۡجِعُواْۖ هُوَ أَزۡكَىٰ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (28)

الآية 28 : وقوله تعالى : ]فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم[ هذا يدل على أن الاستئذان وطلب الإذن لا لحيث أنفسهم خاصة ، ولكن لأنفسهم ولما لهم في البيوت من الأموال لأنه قال ]فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها[ لم يأذن لهم بالدخول فيها ، وإن لم يكن فيها أحد حتى يأذن أرباب الأموال والمنازل بالدخول فيها ليعلم أن النهي عن الدخول للأنفس والأموال جميعا ، لأن الناس يتخذون البيوت والمنازل صونا للأنفس والأموال جميعا . فكما يكرهون اطلاع غيرهم على أنفسهم وعيالاتهم ، فلا تطيب أنفسهم أيضا ( باطلاع غيرهم ){[13841]} على أموالهم وأمتعتهم ، فلا تدخل إلا بإذن من أهلها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم[ ذكر في بعض الأخبار أن الاستئذان ثلاث ؛ من لم يؤذن له فيهن فليرجع ، أما الأولى{[13842]} فيسمع الحي ، وأما الثانية فيأخذون حذرهم ، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا ، وإن شاءوا ردوا . وقيل : لا تقعدن على باب قوم ردوك عن بابهم ؛ فإن للناس حاجات ، ولهم أشغال ، والله أعذر بالعذر .

وفي بعضها : وما تنقم من شيء يا ابن آدم هو أزكى لك{[13843]} .

وقوله تعالى : ]هو أزكى لكم[ لأنه إذا لم يؤذن بالدخول ، فقعدوا على بابهم ، ولم يرجعوا ، أورث ذلك معاني تكره .

أحدها : تهمة على أهل الدار على ما يقعد على أبوب أهل التهم من الشرطي وغيره ، فذلك مكروه عند الناس .

والثاني : يكون للناس أشغال وحاجات في منازلهم وخارج المنازل . فإن انتظر ، وقعد على بابهم ، ضاق بذلك ذرعهم ، وشغل قلوبهم ذلك ، فلعل حاجتهم ، لا تلتئم لشغلهم به ، لذلك كان الرجوع أزكى لهم وخيرا لهم من القعود على الباب والانتظار ، والله أعلم .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ){[13844]} قال " الاستئذان ثلاث ، فإن أذن فيهن ، وإلا فارجع " ( الموطأ 2/963 ) وقال بعضهم : معناه ]وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا[ يقول : إن سكت عنكم ، فلم يؤذن لكم ، فقد قيل لكم : ارجعوا ، وإن لم يقولوا بألسنتهم : ارجعوا .

وقوله تعالى : ]والله بما تعملون عليم[ وعيد كقوله : ]والله يعلم ما تسرون وما تعلنون[ ( النحل : 19 ) .

ثم الاستئذان على محارمه لازم ، وإن كان يجوز له أن ينظر إلى شعر ذات محرمة ووجهها ، فإنه منهي عن النظر إلى ما سوى ذلك من عوراتها ، لما يخشى أن يبدو من عورة المرأة عن دخل عليها بغير إذن . " روي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أخدم أمي ، وأفرشها ، أأستأذن{[13845]} عليها ؟ قال : نعم ، فسأله ثلاثا ، فقال له : أيسرك أن تراها عريانة ؟ قال لا ، ( قال ){[13846]} : فاستأذن عليها " ( الموطأ : 2/963 ) .

" وكذلك روي عن خديجة أن رجلا سأله ؛ فقال{[13847]} : أاستأذن على أختي ؟ فقال : إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوؤك " {[13848]} وكذلك قال ابن مسعود وابن عباس عن أحدهما في الأم ، وعن الآخر في الأخت لكن/366- أ/ أمره في الاستئذان على هؤلاء أسهل وأيسر من أمر الأجنبي ؛ إذ كان مطلقا له أن ينظر إلى شعر محرمة ووجهها ، والله أعلم .


[13841]:ساقطة من الأصل وم.
[13842]:في الأصل وم: الأول.
[13843]:في الأصل وم: لكم.
[13844]:ساقطة من الأصل وم.
[13845]:ساقطة من الأصل وم.
[13846]:ساقطة من الأصل وم.
[13847]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[13848]:أدرج هذا في تفسير ابن جرير الطبري على أنه قول ابن جرير وهو ليس حديثا 18/112.