السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱتَّبِعُوٓاْ أَحۡسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةٗ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (55)

{ واتّبعوا } أي : عالجوا أنفسكم وكلفوها أن تتبع { أحسن ما أنزل إليكم } أي : على سبيل العدل كالإحسان الذي هو أعلى من العفو الذي هو فوق الانتقام باتباع هذا القرآن الذي هو أحسن ما نزل من كتب الله تعالى ، واتباع أحاسن ما فيه فتصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحسن إلى من ظلمك ، هذا في حق الخلائق ومثله في عبادة الخالق بأن تكون كأنك تراه الذي هو أعلى من استحضار أنه يراك الذي هو أعلى من أدائها مع الغفلة عن ذلك .

ولما كان هذا شديداً على النفس رغب فيه بقوله تعالى بمظهر صفة الإحسان موضع الإضمار : { من ربكم } أي : الذي لم يزل يحسن إليكم وأنتم تبارزونه بالعظائم . وقال الحسن رضي الله عنه : معنى الآية الزموا طاعته واجتنبوا معصيته فإن في القرآن ذكر القبيح لتجتنبه ، وذكر الأدون لئلا ترغب فيه ، وذكر الأحسن لتؤثره . وقيل : الأحسن الناسخ دون المنسوخ لقوله تعالى : { ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها } ( البقرة : 106 ) وقيل : العزائم دون الرخص وقوله تعالى : { من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } أي : ليس عندكم شعور بإتيانه بوجه من الوجوه فيه تهديد وتخويف .