السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ} (56)

ولما خوفهم الله تعالى بهذا العذاب بين أنهم بتقدير نزوله عليهم ماذا يقولون ، فحكى الله تعالى عنهم ثلاثة أنواع من الكلام .

الأول : ما ذكره بقوله تعالى : { أن } أي : كراهة أن { تقول نفسٌ } أي : عند وقوع العذاب وإفرادها وتنكيرها كاف في الوعيد لأن كل أحد يجوز أن يكون هو المراد { يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } قال الحسن : قصرت في طاعة الله ، وقال مجاهد : في أمر الله ، وقال سعيد بن جبير : في حق الله وقيل : ضيعت في ذات الله ، وقيل : معناه قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى والعرب تسمي الجانب جنباً ، قال في «الكشاف » : هذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ألا ترى إلى قول الشاعر :

إن السماحة والمروءة والندى *** في قبة ضربت على ابن الحشرج

أي : فإنه لم يصرح بثبوت هذه الصفات المذكورة لابن الحشرج بل كنى عن ذلك في قبة مضروبة عليه فأفاد اثباتها له ، والقبة تكون فوق الخيمة تتخذها الرؤساء ، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة والدوري عن أبي عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح { وإن } أي : والحال إني { كنت } أي : كان ذلك في طبعي { لمن الساخرين } أي : المستهزئين المتكبرين المنزلين أنفسهم في غير منزلتها وذلك أنه ما كفاني المعصية حتى كنت أسخر من أهل الطاعة أي : تقول هذا لعله يقبل منها ويعفى عنها على عادة المعترفين في وقت الشدائد لعلهم يعاودون إلى أجمل العوائد .