السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَيَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فِي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٍ} (18)

ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الساعة وعنده قوم من المشركين ، وقالوا مستهزئين : متى الساعة تقوم ؟ نزل قوله تعالى : { يستعجل بها } أي : يطلب أن تكون قبل الوقت المضروب لها { الذين لا يؤمنون بها } أي : لا يتجدد لهم ذلك أصلاً وهم غير مشفقين ويظنون كذب القائل بها { والذين آمنوا } وإن كانوا في أول درجات الإيمان { مشفقون } أي : خائفون خوفاً عظيماً { منها } لأن الله تعالى هداهم بإيمانهم فصارت صدورهم معادن المعارف وقلوبهم منابع الأنوار ، فأيقنوا بما فيها من الأهوال الكبار فخافوا للطافتهم أن يكونوا مع صلاحهم من أهل النار { ويعلمون أنها الحق } إعلاماً بأنهم على بصيرة من أمرها لا يستعجلون بها ، فالآية من الاحتباك ، ذكر الاستعجال أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً والإشفاق ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً .

فائدة : روي : «أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جهوري في بعض أسفاره فناداه : يا محمد ، فقال له صلى الله عليه وسلم نحواً من صوته : هاؤم فقال : متى الساعة ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم : ويحك إنها كائنة فما أعددت لها ، فقال : حب الله تعالى وحب رسوله ، فقال : أنت مع من أحببت » . والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها ومن أحب الله تعالى ورسوله فعل ما أَمرا به واجتنب ما نهيا عنه ، فهي المحبة الكاملة نسأل الله الكريم من فضله أن يوفقنا وأحبابنا لطاعته واجتناب معاصيه { إلا إن الذين يمارون } أي : يخاصمون ويجادلون { في الساعة } أي : القيامة وما تحتوي عليه { لفي ضلال } أي : ذهاب حائد عن الحق { بعيد } جداً عن الصواب فإن لها من الأدلة الظاهرة ما ألحقها بالمحسوسات ، كما قال القائل لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً .