فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَيَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فِي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٍ} (18)

قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الساعة ، وعنده قوم من المشركين ، فقالوا : متى تكون الساعة ؟ تكذيباً لها ، فأنزل الله الآية ، ويدلّ على هذا قوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } استعجال : استهزاء منهم بها ، وتكذيباً بمجيئها { والذين ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } أي : خائفون وجلون من مجيئها . قال مقاتل : لأنهم لا يدرون على ما يهجمون عليه . وقال الزجاج : لأنهم يعلمون أنهم محاسبون ، ومجزيون { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق } أي أنها آتية لا ريب فيها ، ومثل هذا قوله : { والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبّهِمْ راجعون } [ المؤمنون : 60 ] . ثم بيّن ضلال الممارين فيها ، فقال : { أَلاَ إِنَّ الذين يُمَارُونَ في الساعة } أي يخاصمون فيها مخاصمة شك وريبة ، من المماراة وهي المخاصمة والمجادلة ، أو من المرية ، وهي الشك والريبة { لَفِي ضلال بَعِيدٍ } عن الحق ؛ لأنهم لم يتفكروا في الموجبات للإيمان بها من الدلائل التي هي مشاهدة لهم منصوبة لأعينهم مفهومة لعقولهم ، ولو تفكروا لعلموا أن الذين خلقهم ابتداء قادر على الإعادة .

/خ18