السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

{ والذين يحاجّون في الله } أي : يوردون تشكيكاً في دين الملك الأعظم ليعيدوا الناس بعدما دخلوا في نور الهدى إلى ظلام الضلال { من بعد ما استجيب له } أي : استجاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم فأظهر دينه على الدين كله قال قتادة : هم اليهود قالوا : كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم وتشكيكهم ، أو من بعد ما استجاب للرسول صلى الله عليه وسلم الناس فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته .

{ حجتهم } أي : التي زعموها حجة { داحضة } أي : زائلة باطلة { عند ربهم } أي : المحسن إليهم بإضافة العقل الذي جعلهم به في أحسن تقويم وقال الرازي : تلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا : ألستم تقولون : إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه ؟ فنبوة موسى عليه السلام وحقية التوراة معلومة بالاتفاق ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست متفقاً عليها فوجب الأخذ باليهودية ، فبين تعالى فساد هذه الحجة ، وذلك أن اليهود أجمعوا على أنه إنما وجب الإيمان بموسى عليه السلام لأجل ظهور المعجزات على قوله وها هنا ظهرت المعجزات على وفق قول محمد صلى الله عليه وسلم ، واليهود قد شاهدوا تلك المعجزات فإن كان ظهور المعجزة يدل على الصدق فهنا يجب الاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن كان لا يدل على الصدق وجب في حق موسى أن لا يقروا بنبوته بظهور المعجزات لأنه يكون تناقضاً .

تنبيه : والذين يحاجون مبتدأ وحجتهم مبتدأ ثان وداحضة خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول ، وأعرب مكي حجتهم بدلاً من الموصول بدل اشتمال .

ولما قرر تعالى هذه الدلائل خوف المنكرين بعذاب القيامة فقال : { وعليهم } أي : زيادة على قطع الإحسان { غضب } أي : عقوبة تليق بحالهم المذموم ووصفهم المذموم ومنه الطرد فهم مطرودون عن بابه مبعدون عن جنابه مهانون بحجابه { ولهم } مع ذلك { عذاب شديد } في الآخرة لا تصلون إلى حقيقة وصفه .