السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ} (17)

ثم أكد سبحانه الرؤية وقرّرها بقوله تعالى { ما زاغ } أي : ما مال أدنى ميل { البصر } أي الذي لا بصر لمخلوق أكمل منه فما قصر عن النظر إلى ما أذن له فيه وما زاد { وما طغى } أي : تجاوز الحد إلى ما لم يؤذن له فيه ، مع أنّ ذاك العالم غريب عن بني آدم وفيه من العجائب ما يحير الناظر ، بل كانت له الصفة الصادقة المتوسطة بين الشره والزهادة على أتم قوانين العدل فأثبت ما رآه على حقيقته ، وكما هو قال السهروردي في أول الباب الثاني والثلاثين من عوارفه : وأخبر تعالى بحسن أدبه في الحضرة بهذه الآية وهذه غامضة من غوامض الأدب اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

تنبيه : اللام في البصر تحتمل وجهين :

أحدهما : المعروف أي ما زاغ بصر محمد صلى الله عليه وسلم وعلى هذا إن قيل بأنّ الغاشي للسدرة هو الجراد والفراش فمعناه لم يلتفت إليه ولم يشتغل به ولم يقطع نظره عن مقصوده فيكون غشيان الجراد والفراش ابتلاء وامتحاناً لمحمد صلى الله عليه وسلم وإن قيل إنّ الغاشي أنوار الله تعالى ففيه وجهان : أحدهما : لم يلتفت يمنة ولا يسرة بل اشتغل بمطالعتها . الثاني : ما زاغ البصر بصعقه بخلاف موسى عليه السلام فإنه قطع النظر وغشي عليه ، ففي الأوّل بيان أدب محمد صلى الله عليه وسلم وفي الثاني بيان قوّته .

الوجه الثاني : أنّ اللام لتعريف الجنس أي ما زاغ بصره أصلاً في ذلك الموضع لعظم هيبته فإن قيل : لو كان كذلك لقال ما زاغ بصره فإنه أدلّ على العموم فإنّ النكرة في معرض النفي تعم ، أجيب : بأنّ هذا مثل كقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار } [ الأنعام : 103 ] ولم يقل ولا يدركه بصر .