السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذۡنَٰهُمۡ أَخۡذَ عَزِيزٖ مُّقۡتَدِرٍ} (42)

فلم يؤمنوا بل { كذبوا } أي : تكذيباً عظيماً مستهزئين { بآياتنا } التي أتاهم بها موسى عليه السلام { كلها } أي : التسع التي أوتيها وهي : العصا ، واليد ، والسنين ، والطمس ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .

فإن قيل كيف قال : { ولقد جاء } ولم يقل في غيره جاء ؟ أجيب : بأنّ موسى عليه السلام لما جاء كان غائباً عن القوم ، فقدم عليهم كما قال تعالى : { فلما جاء آل لوط المرسلون } [ الحجر : 61 ] وقال تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] لأنه جاءهم من عند الله من السماوات بعد المعراج ، كما جاء موسى قومه من الطور ؛ والنذر : الرسل ولقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى عليه السلام ، وقيل : النذر : الإنذارات .

تنبيه : هاهنا همزتان مفتوحتان من كلمتين فقرأ أبو عمرو وقالون : بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر ؛ وسهل ورش وقنبل الهمزة الثانية ؛ ولهما أيضاً إبدالها ألفاً وورش على أصله في الهمزة المسهلة ؛ ومدّ بعد الجيم حمزة وابن ذكوان ، والباقون بالفتح ؛ وإذا وقف حمزة وهشام أبدلا الهمزة ألفاً مع المدّ والتوسط والقصر ؛ { فأخذناهم } أي : بما لنا من العظمة بنحو ما أخذنا به قوم نوح من الإغراق { أخذ عزيز } أي : لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء { مقتدر } أي : لا يعجل بالأخذ لأنه لا يخاف الفوت ولا يخشى معقباً لحكمه بالغ القدرة إلى حد لا يدرك الوصف كنهه .