السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ} (46)

{ بل الساعة } أي : القيامة التي يكون فيها الجمع الأكبر والهول الأعظم { موعدهم } أي : للعذاب { والساعة أدهى } أي من كل ما يفرض وقوعه في الدنيا وأدهى أفعل تفضيل من الداهية ، وهي أمر هائل لا يهتدي لدوائه فهي أمر عظيم ؛ يقال : دهاه أمر كذا أي أصابه دهواً ودهياً ؛ وقال ابن السكيت دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح { وأمر } لأنّ عذابها للكفار غير مفارق ولا مزايل فهي أعظم نائبة وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر وفي رواية : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يثب في درعه ويقول : اللهمّ إن قريشاً جادلتك وتجاهر رسولك بفخرها بخيلها فأخنهم الغداة . يقال : أخنى عليه الدهر أي غلبه وأهلكه ومنه قول النابغة :

أخني عليها الذي أخنى على لبد ***

وأخنيت عليه أفسدت ثم قال : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } قال عمر : فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّه أخبر عن غيب فكان كما أخبر ؛ قال ابن عباس : كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين . فالآية على هذا مكية وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : «لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب » { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } وعن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال : «وهو في قبة له يوم بدر أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا ، فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول : { سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم } يريد يوم القيامة { والساعة أدهى وأمر } مما لحقهم يوم بدر » .