السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ يَعۡدُونَ فِي ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِيهِمۡ حِيتَانُهُمۡ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعٗا وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ كَذَٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (163)

{ واسألهم } أي : اسأل يا محمد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك سؤال توبيخ وتقريع { عن القرية } أي : عن خبرها وما وقع بأهلها لا سؤال استفهام لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد علم حال هذه القرية بوحي من الله تعالى إليه وإخباره إياه بحالهم وإنما القصد من هذا السؤال تقرير اعتداء اليهود وإقدامهم على الكفر والمعاصي قديماً ، وأن إصرارهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنكارهم نبوته ومعجزاته ليس بشيء قد حدث الآن في زمانه ، بل إصرارهم على الكفر كان حاصلاً في قديم الزمان ، وفي الإخبار بهده القصة معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان أمياً لم يقرأ الكتب القديمة ولم يعرف أخبار الأوّلين ثم أخبرهم بما جرى لأسلافهم في قديم الزمان وأنهم بسبب مخالفتهم لأمر الله تعالى مسخوا قردة ، واختلفوا في هذه القرية فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هي قرية يقال لها أيلة بين مدين والطور على شاطئ البحر ، وقال الزهري : هي طبرية الشام ، وقيل : مدين والعرب تسمي المدينة قرية ، وعن أبي عمرو بن العلاء : ما رأيت قرويين أفصح من الحسن والحجاج ، يعني : رجلين من أهل المدن . { التي كانت حاضرة البحر } أي : مجاورة بحر القلزم على شاطئه والحضور نقيض الغيبة كقوله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ( البقرة ، 196 ) { إذ } أي : حين { يعدون } أي : يعتدون { في السبت } أي : يتجاوزون حدود الله تعالى بالصيد فيه وقد نهوا عنه ، وقوله تعالى : { إذ تأتيهم حيتانهم } ظرف ليعدون { يوم سبتهم شرعاً } أي : ظاهرة على الماء كثيرة جمع شارع ، وقال الضحاك : متتابعة ، وعن الحسن تشرع على أبوابهم كأنها الكباش البيض والحيتان السمك وأكثر ما تستعمل العرب الحوت في معنى السمكة والسبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بترك الصيد والاشتغال بالتعبد ، فمعناه يعدون في تعظيم هذا اليوم وكذلك قوله : { يوم سبتهم } معناه يوم تعظيمهم أمر السبت يدل عليه قوله تعالى : { ويوم لا يسبتون } أي : لا يعظمون السبت أي : سائر الأيام { لا تأتيهم } أي : الحيتان ابتلاء من الله تعالى { كذلك } أي : مثل ذلك البلاء الشديد { نبلوهم بما } أي : بسبب ما { كانوا يفسقون } .