{ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت } الذي ثبت بالحجة عندهم وتمكّن في قلوبهم وهو الكلمةُ الطيبةُ التي ذُكرت صفتُها العجيبة { في الْحَياة الدُنيا } فلا يُزالون عنه إذا افتُتِنوا في دينهم كزكريا ويحيى وجرجيس وشمسون والذين فتنهم أصحابُ الأخدود { وَفِي الآخرة } فلا يتلعثمون إذا سُئلوا عن معتقدهم في الموقف ولا تُدهشُهم أهوالُ القيامة أو عند سؤال القبر . روي أنه عليه الصلاة والسلام ذكَر قبضَ روحِ المؤمن فقال : «ثم يُعاد روحُه في جسده فيأتيه ملكان فيُجلسانه في قبره ، فيقولان : مَنْ ربك وما دينُك ومن نبيُّك ؟ فيقول : ربي الله وديني الإسلامُ ونبيّي محمد عليه الصلاة والسلام ، فينادي منادٍ من السماء أنه صدق عبدي » فذلك قوله تعالى : { يُثَبّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت } وهذا مثالُ إيتاءِ الشجرةِ المذكورة أُكُلَها كل حين . قال الثعلبي في تفسيره : أخبرني أبو القاسم بن حبيب في سنة ستٍ وثمانين وثلاثمائة ، قال : سمعت أبا الطيب محمدَ بنَ علي الخياطَ يقول : سمعت ( سهلَ بنَ عمار العملي ) يقول : رأيت ( يزيدَ بن هارون ) في منامي بعد موته فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : أتاني في قبري ملكان فظّان فقالا : من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ فأخذتُ بلحيتي البيضاءِ ، فقلت لهما : ألمِثلي يقال هذا ، وقد علّمتُ الناسَ جوابَكما ثمانين سنة ؟ فدهبا .
{ وَيُضِلُّ الله الظالمين } أي يخلق فيهما الضلالَ عن الحق الذي ثبّت المؤمنين عليه حسب إرادتهم واختيارِهم ، والمرادُ بهم الكفرةُ بدليل ما يقابله ووصفُهم بالظلم إما باعتبار وضعهم للشيء في غير موضعِه وإما باعتبار ظلِمهم لأنفسهم حيث بدلوا فطرةَ الله التي فطر الناسَ عليها فلم يهتدوا إلى القول الثابتِ ، أو كلُ من ظلم نفسه بالاقتصار على التقليد والإعراضِ عن البينات الواضحة فلا يتثبّت في مواقف الفتن ولا يهتدي إلى الحق ، فالمرادُ بالذين آمنوا حينئذ المخلصون في الإيمان والراسخون في الإيقان كما ينبىء عنه التثبيتُ لكنه يوهم كونَ كلمة التوحيد إذا كانت لا عن إيقان داخلةً تحت ما لا قرارَ له من الشجرة المضروبة مثلاً { وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاء } من تثبيت بعضٍ وإضلالِ آخرين حسبما توجبه مشيئتُه التابعةُ للحِكم البالغة المقتضيةِ لذلك ، وفي إظهار الاسمِ الجليل في الموضعين من الفخامة وتربيةِ المهابة ما لا يخفى ، مع ما فيه من الإيذان بالتفاوت في مبدأ التثبيتِ والإضلال فإن مبدأ صدورِ كلَ منهما عنه سبحانه وتعالى من صفاته العُلا غيرُ ما هو مبدأ صدور الآخر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.