إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ} (20)

{ والذين يَدْعُونَ } شروع في تحقيق كونِ الأصنام بمعزل من استحقاق العبادةِ وتوضيحُه بحيث لا يبقى فيه شائبةُ ريب بتعديد أوصافِها وأحوالِها المنافية لذلك منافاةً ظاهرةً ، وتلك الأحوالُ وإن كانت غنيةً عن البيان لكنها شُرحت للتنبيه على كمال حماقةِ عبدَتِها وأنهم لا يعرفون ذلك إلا بالتصريح ، أي والآلهةُ الذين يعبدهم الكفار { مِن دُونِ الله } سبحانه ، وقرئ على صيغة المبني للمفعول وعلى الخطاب { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا } من الأشياء أصلاً أي ليس من شأنهم ذلك ، ولما لم يكن بين نفي الخالقية وبين المخلوقية تلازمٌ بحسب المفهومِ وإن تلازما في الصدق أُثبت لهم ذلك صريحاً فقيل : { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي شأنُهم ومقتضى ذاتِهم المخلوقيةُ لأنها ذواتٌ ممكنةٌ مفتقرةٌ في ماهياتها ووجوداتها إلى الموجد ، وبناء الفعل للمفعول لتحقيق التضادّ والمقابلة بين ما أثبت لهم وبين ما نُفي عنهم من وصفي المخلوقية والخالقية ، وللإيذان بعدم الافتقار إلى بيان الفاعلِ لظهور اختصاصِ الفعل بفاعله جل جلاله ، ويجوز أن يُجعل الخلقُ الثاني عبارةً عن النحت والتصوير رعايةً للمشاكلة بينه وبين الأول ومبالغةً في كونهم مصنوعين لعبدتهم وأعجز عنهم وإيذاناً بكمال ركاكةِ عقولهم حيث أشركوا بخالقهم مخلوقَهم ، وأما جعلُ الأول أيضاً عبارةً عن ذلك كما فعل فلا وجه له ، إذ القدرةُ على مثل ذلك الخلقِ ليست مما يدور عليه استحقاقُ العبادة أصلاً ،