إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

{ ذلك } خبرُ مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك والجملةُ لتقرير ما قبله والتَّنبيهِ على أنَّ ما بعده كلامٌ مستأنفٌ { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي لم يَزد في الاقتصاصِ وإنَّما سُمِّي الابتداءُ بالعقابِ الذي هو جزاءُ الجنايةِ للمشاكلةِ أو لكونِه سبباً له { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } بالمعاودة إلى العُقوبة { لَيَنصُرَنَّهُ الله } على مَن بغى عليه لا محالة { إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي مبالغٌ في العفوِ والغُفرانِ فيعفُو عن المنتصرِ ويغفرُ له ما صدرَ عنه من ترجيحِ الانتقامِ على العفوِ والصبرِ المندوبِ إليهما بقوله تعالى : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ } أي ما ذُكر من الصَّبرِ والمغفرةِ { لَمِنْ عَزْمِ الأمور } فإنَّ فيه حثًّا بليغاً على العفوِ والمغفرةِ فإنَّه تعالى مع كمالِ قُدرتِه لمَّا كانَ يعفُو ويغفُر فغيرُه أَوْلى بذلك وتنبيهاً على أنَّه تعالى قادرٌ على العقوبةِ إذ لا يُوصف بالعفوِ إلاَّ القادرُ على ضدِّهِ .