إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُمۡ يَعۡمَهُونَ} (4)

{ إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } بيانٌ لأحوالِ الكَفَرة بعدَ بيانِ أحوالِ المُؤمنينَ أي لا يُؤمنون بها وبما فيها من الثَّوابِ على الأعمالِ الصَّالحةِ والعقابِ على السَّيِّئاتِ حسبما ينطقُ به القرآنُ { زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم } القبيحةَ حيثُ جعلناها مشتهاةً للطَّبعِ محبوبةً للنَّفسِ كما يُنبئُ عنه قولُه عليه الصَّلاة والسَّلام : ( حُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ{[609]} ) أو الأعمالَ الحسنةَ ببيانِ حُسنها في أنفسِها حالاً واستتباعِها لفنونِ المنافعِ مآلاً . وإضافتُها إليها باعتبارِ أمرِهم بها وإيجابِها عليهم { فَهُمْ يَعْمَهُونَ } يتحيرون ويتردَّدون على التَّجددِ والاستمرارِ في الاشتغالِ بها والانهماكِ فيها من غيرِ ملاحظةٍ لما يتبعها من نفع وضرَ أو في الضَّلالِ والإعراض عنها . والفاء على الأول لترتيبِ المسبَّبِ على السَّببِ وعلى الثَّاني لترتيبِ ضدِّ المُسبَّبِ على السَّببِ كما في قولك وعظتُه فلم يتَّعظ وفيه إيذانٌ بكمالِ عتوِّهم ومكابرتِهم وتعكيسهم في الأمور


[609]:أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب (28) ومسلم في كتاب الجنة حديث رقم (1) والترمذي في كتاب الجنة باب (21) والدارمي في كتاب الرقاق باب (117) وأحمد في المسند (2 / 260، 280) (3 / 153، 254، 284).