تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُمۡ يَعۡمَهُونَ} (4)

[ الآية 4 ] وقوله تعالى : { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم } الأعمال التي هم فيها بما ركب فيهم من الشهوات والأماني . ويحتمل { زينا لهم أعمالهم } الأعمال التي هي عليهم ، أي زين لهم الخيرات والطاعات . لكنهم أبوا أن يأتوا بها .

فالمعتزلة قالوا بهذا التأويل ، وأبوا أن يقولوا بالأول : أن يكون من الله تزيين ما هم فيه من الشرك والكفر ، إذ أضاف تزيين ذلك إلى الشيطان حين{[14890]} قال : { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل } [ النمل : 24 ] وقال : { الشيطان سول لهم } [ محمد : 25 ] ونحو ذلك من الآيات ، فقالوا : أضاف إلى الشيطان ، ولا يجوز أن يضاف إلى الله . ذلك بغيته .

فدل أن الله إنما زين أعمالهم التي عليهم من الإيمان والخيرات لا الأعمال التي هم فيها .

لكن عندنا يجوز إضافة تزيين أعمالهم التي هم فيها إلى الله من جهة ما ركب فيهم من الشهوات والأماني التي توافق طباعهم وأنفسهم لأن التزيين يقع بنفس الكفر وأفعاله ؛ إذ الكفر نفسه ليس بمزين ولا مستحسن . إنا هو شتم رب العالمين ، ولكن تزيينه واستحسانه ، هو موافقة ما يعمل من الأعمال طباعة والجهة التي تضاف إلى الله ، إذ الجهة التي تضاف إلى الشيطان هي دعاؤه وتمنيته إلى ما يوافق طباعهم . فمن هذه الجهة تجوز إضافته على الشيطان .

والجهة التي تضاف إلى الله هي ما ركب فيهم من الشهوات والأماني ، وجعل الطباع موافقة{[14891]} لها .

وإلا الصدق وجميع الخير يأتي{[14892]} ؛ إنما يكون مزينا مستحسنا في العقل للعاقبة . وجميع المعاصي مستقبح في العقل للعاقبة : إذا حمد أحدهما ، وأثيب على فعله ذم{[14893]} الآخر ، وعوقب لسوء اختياره .

ويحتمل{[14894]} أن تكون إضافة ذلك إلى الله لما خلق أفعالهم وأعمالهم التي عملوها ، وأخرجها من العدم إلى الوجود ، وهي من هذه الجهة فعله . وهو يرد قولهم في إبائهم خلق أفعال العباد .

وقوله تعالى : { فهم يعمهون } قيل : يترددون . وأصل العمه الحيرة ، أي يتحيرون .


[14890]:- في الأصل وم: حيث.
[14891]:- في الأصل وم: موافقا.
[14892]:- في الأصل وم: بات.
[14893]:- في الأصل وم: وذم.
[14894]:- في الأصل وم: أو.