إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

{ وَأَلْقِ } عطف على بُورك منتظم معه في سلك تفسير النِّداءِ أي نُودي أنْ بُورك وأن ألقِ { عَصَاكَ } حسبما نطقَ به قولُه تعالى : { وأنْ ألقِ عصاك } بتكريرِ حرفِ التَّفسير كما تقول كتبتُ إليه أنْ حُجَّ وأنِ اعتمرْ وإن شئتَ أن حجَّ واعتمرْ والفاء في قوله تعالى : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } فصيحةٌ تفصحُ عن جملةٍ قد حُذفت ثقةً بظهورها ودلالةً على سرعةِ وقوع مضمونِها كما في قوله تعالى : { اخرج عَلَيْهِنَّ } [ سورة يوسف ، الآية31 ] كأنَّه قيل : فألقاهَا فانقلبت حيةً تسعى فأبصرَها فلَّما أبصرها متحركةً بسرعة واضطراب . وقوله تعالى : { كَأَنَّهَا جَانٌّ } أي حيَّةٌ خفيفة سريعة الحركة جملة حالية إما من مفعولِ رأى مثل يهتزُّ كما أُشير إليه أو من ضميرِ تهتز على طريقة التَّداخلِ وقرئ جأن على لغةِ من جدَّ في الهربِ من التقاءِ السَّاكنينِ { ولى مُدْبِراً } من الخوفِ { وَلَمْ يُعَقّبْ } أي لم يرجعْ على عقبةِ ، مِن عقّب المقاتلُ إذا كرَّ بعد الفرِّ وإنما اعتراهُ الرُّعب لظنِّه أن ذلك الأمرَ أُريد به كما يُنبئ عنه قوله تعالى : { خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ } أي من غيري ثقةً بي أو مطلقاً لقوله تعالى : { إِنّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون } فإنَّه يدلُّ على نفيِ الخوفِ عنهم مُطلقاً لكن لا في جميعِ الأوقاتِ بل حين يُوحى إليهم كوقتِ الخطابِ فإنَّهم حينئذٍ مستغرقُون في مطالعةِ شؤونِ الله عزَّ وجلَّ لا يخطرُ ببالِهم خوفٌ من أحدٍ أصلاً وأما في سائرِ الأحيانِ فهم أخوفُ النَّاسِ منه سبحانَه أو لا يكون لهم عندي سوءُ عاقبة ليخافُوا منه .