البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُمۡ يَعۡمَهُونَ} (4)

ولما ذكر تعالى المؤمنين الموقنين بالبعث ، ذكر المنكرين والإشارة إلى قريش ومن جرى مجراهم في إنكار البعث .

والأعمال ، إما أن تكون أعمال الخير والتوحيد التي كان الواجب عليهم أن تكون أعمالهم ، فعموا عنها وتردّدوا وتحيروا ، وينسب هذا القول إلى الحسن البصري ؛ أو أعمال الكفر والضلال ، فيكون تعالى قد حبب ذلك إليهم وزينه بأن خلقه في نفوسهم ، فرأوا تلك الأعمال القبيحة حسنة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أسند تزين أعمالهم إلى ذاته ، وأسنده إلى الشيطان في قوله : { وزين لهم الشيطان أعمالهم } قلت : بين الإسنادين فرق ، وذلك أن إسناده إلى الشيطان حقيقة ، وإسناده إلى الله تعالى مجاز ، وله طريقان في علم البيان : أحدهما : أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة .

والثاني : أن يكون من المجاز المحكي .

فالطريق الأول : أنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق ، وجعلوا إنعام الله عليهم بذلك وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم وبطرهم وإيثارهم الترفه ونفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة والمشاق المتعبة ، فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم ، وإليه إشارة الملائكة بقولهم : { ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر } والطريق الثاني : أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين فأسند إليه ، لأنه المختار المحكي ببعض الملابسات .

انتهى ، وهو تأويل على طريق الاعتزال .