إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

{ لِيَقْطَعَ } متعلقٌ بقوله تعالى : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ } [ آل عمران ، الآية 123 ] ، وما بينهما تحقيقٌ لحقيقته وبيانٌ لكيفية وقوعِه والمقصورُ على التعليل بما ذُكر من البُشرى والاطمئنانِ إنما هو الإمدادُ بالملائكة على الوجه المذكورِ فلا يقدَح ذلك في تعليل أصلِ النصرِ بالقطع وما عُطف عليه أو بما تعلق به الخبرُ في قوله عز وعلا : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله } [ آل عمران ، الآية : 126 ، الأنفال ، الآية : 10 ] على تقدير كونِه عبارةً عن النصر المعهودِ ، وقد أُشير إلى أن المعلَّلَ بالبشارة والاطمئنانِ إنما هو الإمدادُ الصوريُّ لا ما في ضِمنه من النصر المعنويِّ الذي هو مَلاكُ الأمر ، وأما تعلقُه بنفس النصرِ كما قيل فمع ما فيه من الفصل بين المصدرِ ومعمولِه بأجنبي هو الخبرُ مُخلٌّ بسَداد المعنى ، كيف لا ومعناه قصرُ النصرِ المخصوصِ المعلَّلِ بعلل معيّنةٍ على الحصول من جهته تعالى ، وليس المرادُ إلا قصرَ حقيقةِ النصرِ أو النصرِ المعهودِ على ذلك ، والمعنى لقد نصركم الله يومئذ أو وما النصرُ الظاهرُ عند إمدادِ الملائكةِ إلا ثابتٌ من عند الله ليقطعَ أي يُهلِكَ ويَنْقُصَ { طَرَفاً منَ الذين كَفَرُوا } أي طائفةٌ منهم بقتل وأسر وقد وقع ذلك حيث قُتل من رؤسائهم وصناديدِهم سبعون وأُسر سبعون { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } أي يخزيَهم ويُغيظَهم بالهزيمة ، فإن الكبتَ شدةُ غيظٍ أو وهنٌ يقع في القلب من كَبتَه بمعنى كَبده إذا ضرب كِبدَه بالغيظ والحُرقة ، وقيل : الكبتُ الإصابةُ بمكروه ، وقيل : هو الصرعُ للوجه واليدين ، فالتاء حينئذ غيرُ مُبْدَلةٍ وأو للتنويع { فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ } أي فينهزموا منقطعي الآمالِ غيرَ فائزين من مبتغاهم بشيء كما في قوله تعالى : { وَرَدَّ الله الذين كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً } [ الأحزاب ، الآية : 25 ] .