إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (78)

{ وَإِنَّ مِنْهُمْ } أي من اليهود المحرِّفين { لَفَرِيقًا } ككعب بنِ الأشرفِ ومالكِ بنِ الصيف وأضرابِهما { يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بالكتاب } أي يفتلونها بقراءته فيُميلونها عن المُنزّل إلى المحرّف أو يعطِفونها بشَبَه الكتاب ، وقرئ يُلوّون بالتشديد ويلُون بقلب الواو المضمومة همزةً ثم تخفيفِها بحذفها وإلقاء حركتها على ما قبلها من الساكن { لِتَحْسَبُوهُ } أي المحرِّفَ المدلولَ عليه بقوله تعالى : { يَلْوُونَ } الخ وقرئ بالياء والضميرُ للمسلمين { منَ الكتاب } أي من جملته وقولُه تعالى : { وَمَا هُوَ مِنَ الكتاب } حالٌ من الضمير المنصوبِ أي والحالُ أنه ليس منه في نفس الأمرِ وفي اعتقادهم أيضاً { وَيَقُولُونَ } مع ما ذكر من اللَّيِّ والتحريف على طريقة التصريحِ لا بالتورية والتعريض { هُوَ } أي المحرفُ { مِنْ عِندِ الله } أي منزلٌ من عند الله { وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله } حالٌ من ضمير المبتدأ في الخبر أي والحالُ أنه ليس من عنده تعالى في اعتقادهم أيضاً وفيه من المبالغة في تشنيعهم وتقبيحِ أمرِهم وكمالِ جرأتهم ما لا يخفى ، وإظهارُ الاسمِ الجليلِ والكتاب في محل الإضمارِ لتهويل ما أقدموا عليه من القول .

{ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون ومفترون على الله تعالى وهو تأكيدٌ وتسجيلٌ عليهم بالكذبِ على الله والتعمُّد فيه ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما هم اليهودُ الذين قدِموا على كعب بنِ الأشرف وغيَّروا التوراةَ وكتبوا كتاباً بدَّلوا فيه صِفةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذت قريظةُ ما كتبوا فخلَطوا بالكتاب الذي عندهم .