نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (78)

ولما نسبهم إلى الكذب عموماً نبه على نوع خاص{[18044]} منه هو أكذب الكذب فقال : { وإن منهم لفريقاً } أي جبلوا على الفرقة ، فهم لا يزالون يسعون في التفريق{[18045]} { يلوون } أي يفتلون ويحرفون{[18046]} { ألسنتهم بالكتاب } بأن ينقلوا{[18047]} اللسان لتغيير{[18048]} الحرف{[18049]} من مخرج إلى آخر - مثلاً بأن يقولوا في{ اعبدوا الله{[18050]} }[ المائدة : 72 وغيرها ] : اللات ، وفي

{ لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق }[ الأنعام : 151 ] بالحد ، وفي " من زنى فارجموه " فارحموه{[18051]} بالمهملة ، أو فحمموه ، أو اجلدوه{[18052]} - ونحو هذا .

ولما كان كلام الله سبحانه وتعالى لما له من الحلاوة والجلالة لا يلبس{[18053]} بغيره إلا على{[18054]} ضعيف العقل ناقص الفطرة عبر بالحسبان تنفيراً{[18055]} عن السماع منهم وتنبيهاً{[18056]} على بعد{[18057]} ما يسمعه{[18058]} الإنسان من غيره فقال :

{ لتحسبوه{[18059]} } أي الذي لوى{[18060]} به اللسان فحرف{[18061]} { من الكتاب } أي{[18062]} المنزل من عند الله ، ولما علم بهذه أنه ليس منه نبه على أنه في غاية البعد عنه فقال{[18063]} : { ما هو من الكتاب } أعاده{[18064]} ظاهراً تصريحاً بالتعميم .

ولما كان{[18065]} إيهامهم{[18066]} هذا من الجرأة بمكان أعلم سبحانه وتعالى أنهم {[18067]}تجاوزوا{[18068]} إلى ما هو أعظم منه فصرحوا بما أوهموه فقال : { ويقولون } أي مجددين التصريح بالكذب في كل وقت بأن يقولوا{[18069]} { وهو من عند الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال ، ثم صرح بكذبهم بقوله - مبعداً لما لووا به ألسنتهم عن أن يكون فيه ثبوت{[18070]} حق مظهراً في موضع الإضمار لأن الاسم الذي لم{[18071]} يشارك فيه أحد بوجه{[18072]} أنص{[18073]} على المراد وأنفى لكل احتمال : { وما هو } أي الذي لووا{[18074]} به ألسنتهم حتى أحالوه عن حقيقته { من عند الله } أي الذي له الإحاطة العامة ، فما لم يكن من عنده فلا حق فيه بوجه من الوجوه ، لا بكونه من الكتاب{[18075]} ولا من غيره .

ولما بين بهذا كذبهم على الله سبحانه وتعالى تصريحاً بعد أن قدم في الآية الأولى بيانه بما يظن تلويحاً أخبر بأن ذلك عادة لهم ، لا يقفون{[18076]} منه{[18077]} عند عد{[18078]} ، ولا ينحصرون فيه بحد ، فقال : { ويقولون على الله } أي الحائز{[18079]} لجميع العظمة جرأة منهم { الكذب } أي العام{[18080]} كما قالوا عليه هذا الكذب الخاص ، ولما كان الكذب قد يطلق على ما لم يتعمد ، بل وقع خطأ احترز عنه بقوله : { وهم يعلمون * } أي{[18081]} أنه كذب ، لا يشكون فيه .


[18044]:من ظ ومد، وفي الأصل: خاصا.
[18045]:من ظ ومد، وفي الأصل: الفرقة.
[18046]:في ظ: متحرفون.
[18047]:من ظ ومد، وفي الأصل: ينقلون.
[18048]:من مد، وفي الأصل وظ: لتغير.
[18049]:في ظ: الخوف.
[18050]:زيد بعده في ظ: في.
[18051]:زيد من مد.
[18052]:من ظ ومد، وفي الأصل: اجلدوا.
[18053]:في ظ: لا يانس.
[18054]:سقط من ظ ومد.
[18055]:في ظ: متعيرا.
[18056]:من مد، وفي الأصل وظ: فتنبيها.
[18057]:سقط من مد.
[18058]:سقط من مد.
[18059]:هكذا وقع هنا في مد وظ، وقد تقدم في الأصل على "ولما كان".
[18060]:في ظ: لذى.
[18061]:العبارة من "أي الذي" إلى هنا تأخرت في الأصل عن "ويقولون".
[18062]:سقط من مد.
[18063]:ما بين الحاجزين زيد من ظ ومد.
[18064]:في ظ: إعادة.
[18065]:سقط من ظ ومد.
[18066]:في ظ: إنها لهم، وفي مد: كأنهم ـ كذا.
[18067]:من ظ ومد، وفي الأصل: تجاوزوه على .
[18068]:من ظ ومد، وفي الأصل: تجاوزوه على .
[18069]:ما بين الحاجزين زيد من ظ ومد.
[18070]:في مد: يثوب.
[18071]:في ظ: لما.
[18072]:من ظ ومد، وفي الأصل: يوخذ.
[18073]:في ظ: أرض.
[18074]:في ظ: أووا.
[18075]:العبارة من هنا إلى "الأولى بيانه" سقطت من ظ.
[18076]:من مد، وفي الأصل وظ: لا يعفون.
[18077]:سقط من ظ.
[18078]:في ظ: عدد.
[18079]:من مد، وفي الأصل وظ: الجايز ـ كذا بالجيم.
[18080]:من ظ ومد، وفي الأصل: العامة.
[18081]:زيد من ظ ومد.