غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (78)

72

{ وإن منهم لفريقاً } عن ابن عباس هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف غيروا التوراة وكتبوا كتاباً بدلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم { يلوون ألسنتهم بالكتاب } قال القفال : معناه أن يعمدوا إلى اللفظة فيحرفوها في حركات الإعراب تحريفاً يتغير به المعنى . فإن الليَّ عبارة عن عطف الشيء ورده عن الاستقامة إلى الاعوجاج وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية . وإنما كانوا يفعلون مثل ذلك في الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفي غيرها بحسب أغراضهم الفاسدة . وفي الكشاف : أي يقتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف . أقول : وذلك أن لي اللسان أشبه بالتشدق والتنطع والتكلف مذموم ، فعبر الله عن قراءتهم لذلك الكتاب الباطل بليّ اللسان ذماً لهم وتقريعاً ، ولم يعبر عنها بالقراءة ، والعرب تفرق بين ألفاظ المدح والذم في الشيء الواحد { لتحسبوه } أي المحرف الذي دل عليه { يلوون } ويجوز أن يقدر مضاف محذوف أي يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب { وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله } نفى أوّلاً كونه من الكتاب ، ثم عطف عليه النفي العام ليعلم أنه كما أنه ليس من الكتاب ليس بسنة ولا إجماع ولا قياس . فإن كل هذا يصدق عليه أنه من عند الله بمعنى كونه حكماً من أحكامه المستنبطة من الأصول . ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة فقط وبقولهم : { هو من عند الله } أنه موجود في كتاب سائر الأنبياء . وذلك أن القوم في نسبة ذلك المحرف إلى الله كانوا متحيرين خابطين . فإن وجدوا قوماً من الأغمار الجاهلين بالتوراة قالوا : إنه من التوراة . وإن وجدوا قوماً عقلاء زعموا أنه موجود في كتب سائر الأنبياء .

واعلم أنه إن كان المراد من التحريف تغيير ألفاظ التوراة أو إعراب ألفاظها فالذين أقدموا على ذلك يجب أن يكونوا طائفة يسيرة يجوز التواطؤ منهم على الكذب ، وإن كان المعنى تشويش دلالة تلك الآيات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب إلقاء الشكوك والشبهات في وجوه الاستدلالات كما يفعله المبطلون في ملتنا إذا استدل المحقون بآية من كتاب الله تعالى لم يبعد إطباق الخلق الكثير والجم الغفير عليه . احتج الجبائي والكعبي بالآية على أن فعل العبد ليس بخلق الله تعالى وإلا صدق اليهود في قولهم هو من عند الله ، لكن الله كذبهم . والغلط فيه أن القوم ما ادعوا أن التحريف من عند الله وبخلقه ، وإنما ادعوا أن المحرف منزل من عند الله ، أو هو حكم من أحكامه فتوجه التكذيب تكذيب الله إياهم إلى هذا الذي زعموا لا إلى ما لم يزعموا ، فلم يبق لهما في الآية استدلال .