{ أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات } استئنافٌ مَسوقٌ لبيانِ تباينِ حالَيْ المسيئينَ والمحسنين إثرَ تباينِ حالَيْ الظالمينَ والمتقينَ . وأَمْ منقطعةٌ وما فيها مِنْ مَعْنى بَلْ للانتقالِ من البيانِ الأولِ إلى الثَّانِي . والهمزةُ لإنكارِ الحُسبانِ لكنْ لا بطريقِ إنكارِ الوقوعِ ونفيهِ كَما في قولِه تعالَى : { أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار }[ سورة ص ، الآية 28 ] بل بطريقِ إنكارِ الواقعِ واستقباحِه والتوبيخِ عليه ، والاجتراحُ الاكتسابُ { أَن نجْعَلَهُمْ } أي نُصيَّرهُم في الحُكمِ والاعتبارِ وهُم على ما هُم عليهِ منْ مَسَاوِي الأحوالِ .
{ كالذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات } وهُم فيمَا هُم فيهِ من محاسنِ الأعمالِ ونعاملُهُم معاملتهم في الكرامةِ ورفعِ الدرجةِ . وقولُه تعالَى : { سَوَاء محياهم ومماتهم } أيْ محيَا الفريقينِ جميعاً ومماتُهم . حالٌ من الضميرِ في الظرفِ والموصولِ معاً لاشتمالِه على ضميريِهما على أنَّ السواءَ بمَعْنى المُستوي ، ومحياهُم ومماتُهم مرتفعانِ بهِ على الفاعليةِ . والمعَنْى أمْ حسبُوا أنْ نجعلَهم كائنينَ مثلَهمُ حالَ كونِ الكُلِّ مستوياً محياهُم ومماتُهم ، كلاَّ لا يستوونَ في شيءٍ منهُمَا ، فإنَّ هؤلاءِ في عزِّ الإيمانِ والطاعةِ وشرفِهما في المَحيا وفي رحمةِ الله تعالَى ورضوانِه في المماتِ ، وأولئكَ في ذُلِّ الكُفرِ والمَعَاصِي وهوانِهما في المَحيا وفي لعنةِ الله والعذابِ الخالدِ في المماتِ ، شتانَ بينهما . وقد قيلَ : المراد إنكارُ أنْ يستووا في المماتِ كما استَووا في الحياةِ ؛ لأن المسيئينَ والمحسنينَ مستوٍ محياهُم في الرزقِ والصحةِ وإنما يفترقونَ في المماتِ . وَقُرِئ محياهم ومماتَهم بالنصبِ على أنَّهما ظرفانِ كمقْدَمِ الحاجِّ ، وسواءً حالٌ على حالِه أي حالَ كونِهم مستوينَ في محياهُم ومماتِهم . وقد ذُكرَ في الآيةِ الكريمةِ وجوُهٌ أُخرُ من الإعرابِ والذي يليقُ بجزالةِ التنزيلِ هُو الأولُ فتدبرْ . وقُرِئ سواءٌ بالرفعِ على أنَّه خبرٌ ومحياهُم مبتدأٌ فقيلَ الجملةُ بدل من الكافِ وقيل : حالٌ وأيَّا ما كانَ فنسبةُ حسبانِ التَّساوي إليهم في ضمنِ الإنكارِ التوبيخيِّ مع أنَّهم بمعزلٍ منه جازمونَ بفضلِهم على المؤمنينَ للبمالغةِ في الإنكارِ والتشديدِ في التوبيخِ ، فإنَّ إنكارَ حسبانِ التَّساوِي والتوبيخِ عليه إنكارٌ لحسبانِ الجزمِ بالفضلِ وتوبيخٌ عليهِ على أبلغِ وجهٍ وآكدِه . { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } أي ساءَ حكمُهم هَذا أو بئسَ شيئاً حكموا به ذلكَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.