إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

{ واتقوا فِتْنَةً لا تُصِيبَن الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } أي لا تختصّ إصابتُها بمن يباشر الظلمَ منكم بل يعُمه وغيرَه كإقرار المُنكَر بين أظهُرِهم والمداهنةِ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراقِ الكلمةِ وظهورِ البدع والتكاسلِ في الجهاد ، على أن قوله : لا تصيبن الخ إما جوابُ الأمر على معنى أن إصابتكم لا تصيبن الخ وفيه أن جوابَ الشرط مترددٌ فلا يليق به النونُ المؤكدةُ لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله تعالى : { ادخلوا مساكنكم لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } [ النمل ، الآية 18 ] وإما صفةٌ لفتنة ولا للنفي وفيه شذوذٌ لأن النون لا تدخُل المنفيَّ في غير القسمِ ، أو للنهي على إرادة القولِ كقول من قال : [ الرجز ]

حتى إذا جَنّ الظلامُ واختلط *** جاؤوا بمذْقٍ هل رأيتَ الذئب قطّ{[324]}

وإما جوابُ قسم محذوفٍ كقراءة من قرأ : لتصيبن وإن اختلف المعنى فيهما ، وقد جُوِّز أن يكون نهياً عن التعرض للظلم بعد الأمرِ باتقاء الذنبِ فأن وبالَه يصيب الظالمَ خاصةً ويعود عليه ومِنْ في منكم على الوجوه الأُوَلِ للتبعيض وعلى الآخرين للتبيين ، وفائدتُه التنبيهُ على أن الظلمَ منكم أقبحُ منه من غيركم { واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشِرْ سببَه .


[324]:الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/304، وخزانة الأدب 2/109، والدرر 6/10، وشرح التصريح 2/112، والمقاصد النحوية 4/61، وبلا نسبة في الإنصاف 1/115، وأوضح المسالك 3/310، ولسان العرب (مذق)، وهمع الهوامع 2/117، ومغني اللبيب 1/246. والمصادر لا تنسب هذا الرجز إلى العجاج على وجه التأكيد وإنما على نحو "قيل للعجاج". ويروى أن رجلا نزل بقوم فانتظروا عليه طويلا حتى جاء الليل بظلامه ثم جاءوه فلبن قليل قد خلطوا به ماء كثيرا حتى أصبح لونه يحاكي لون الذئب، فأنشد هذا الشعر.