وقوله عَزّ وجلّ : ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ) يقول تعالى ذكره : إنا خصصناهم بخاصة : ذكر الدار .
واختلف القرّاء في قراءة قوله ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة : " بخالصة ذكرى الدار " بإضافة خالصة إلى ذكرى الدار ، بمعنى : أنهم أخلصوا بخالصة الذكرى ، والذكرى إذا قُرئ كذلك غير الخالصة ، كما المتكبر إذا قُرئ : عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ بإضافة القلب إلى المتكبر ، هو الذي له القلب وليس بالقلب . وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق : ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) بتنوين قوله ( خَالِصَةً ) وردّ ذكرى عليها ، على أن الدار هي الخالصة ، فردّوا الذكر وهي معرفة على خالصة ، وهي نكرة ، كما قيل : لشرّ مآب : جهنم ، فرد جهنم وهي معرفة على المآب وهي نكرة .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قَرَأَة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقد اختلف أهل التأويل ، في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إنا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدار : أي أنهم كانوا يذَكِّرون الناس الدار الآخرة ، ويدعونهم إلى طاعة الله ، والعمل للدار الآخرة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال : بهذه أخلصهم الله ، كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله .
وقال آخرون : معنى ذلك أنه أخلصهم بعملهم للآخرة وذكرهم لها . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ بن الحسن الأزدي ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، في قوله ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال : بذكر الآخرة فليس لهم همّ غيرها .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال : بذكرهم الدار الآخرة ، وعملهم للآخرة .
وقال آخرون : معنى ذلك : إنا أخلصناهم بأفضلِ ما في الآخرة ؛ وهذا التأويل على قراءة من قرأه بالإضافة . وأما القولان الأوّلان فعلى تأويل قراءة من قرأه بالتنوين . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " قال : بأفضل ما في الآخرة أخلصناهم به ، وأعطيناهم إياه ؛ قال : والدار : الجنة ، وقرأ : تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ قال : الجنة ، وقرأ : وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ قال : هذا كله الجنة ، وقال : أخلصناهم بخير الآخرة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : خالصة عُقْبَى الدار . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال : عُقبى الدار .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بخالصة أهل الدار . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن ابن أبي زائدة ، عن ابن جُرَيج ، قال : ثني ابن أبي نجيح ، أنه سمع مجاهدا يقول : ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) هم أهل الدار ؛ وذو الدار ، كقولك : ذو الكلاع ، وذو يَزَن .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يتأوّل ذلك على القراءة بالتنوين ( بِخَالِصَةٍ ) عمل في ذكر الآخرة .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك على قراءة من قرأه بالتنوين أن يقال : معناه : إنا أخلصناهُمْ بخالصة هي ذكرى الدار الآخرة ، فعملوا لها في الدنيا ، فأطاعوا الله وراقبوه ؛ وقد يدخل في وصفهم بذلك أن يكون من صفتهم أيضا الدعاء إلى الله وإلى الدار الآخرة ، لأن ذلك من طاعة الله ، والعمل للدار الآخرة ، غير أن معنى الكلمة ما ذكرت . وأما على قراءة من قرأه بالإضافة ، فأن يقال : معناه : إنا أخلصناهم بخالصة ما ذكر في الدار الآخرة ؛ فلمَّا لم تُذْكر " في " أضيفت الذكرى إلى الدار كما قد بيَّنا قبل في معنى قوله لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وقوله بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ
وجملة { إنَّا أخلصناهُم } علة للأمر بذكرهم لأن ذكرهم يكسب الذاكر الاقتداء بهم في إخلاصهم ورجاء الفوز بما فازوا به من الاصطفاء والأفضلية في الخير . و { أخْلَصْناهُم } : جعلناهم خالصين ، فالهمزة للتعدية ، أي طهرناهم من درَن النفوس فصارت نفوسهم نقية من العيوب العارضة للبشر ، وهذا الإِخلاص هو معنى العصمة اللازمة للنبوءة .
والعصمة : قوة يجعلها الله في نفس النبي تَصْرِفُه عن فعل ما هو في دينه معصية لله تعالى عمداً أو سهواً ، وعمّا هو موجب للنفرة والاستصغار عند أهل العقول الراجحة من أمة عصره . وأركان العصمة أربعة :
الأول : خاصية للنفس يخلقها الله تعالى تقتضي ملكة مانعة من العصيان .
الثاني : حصول العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات .
الثالث : تأكد ذلك العلم بتتابع الوحي والبيان من الله تعالى .
الرابع : العتاب من الله على ترك الأوْلى وعلى النسيان .
وإسناد الإِخلاص إلى الله تعالى لأنه أمر لا يحصل للنفس البشرية إلا بجعل خاص من الله تعالى وعناية لَدُنِيّة بحيث تنزع من النفس غلبة الهوى في كل حال وتصرف النفس إلى الخير المحض فلا تبقى في النفس إلا نزعات خفيفة تُقلع النفس عنها سريعاً بمجرد خطورها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم « إني لُيَغَانُ على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة » .
والباء في { بخالصةٍ } للسببية تنبيهاً على سبب عصمتهم . وعبر عن هذا السبب تعبيراً مجملاً تنبيهاً على أنه أمر عظيم دقيق لا يتصور بالكنه ولكن يعرف بالوجه ، ولذلك استحضر هذا السبب بوصف مشتق من فعل { أخلصناهم } على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن اقْتناعه من أكل لحم الضبّ " أني تحضرني من اللَّه حاضرة " أي حاضرة لا توصف ، ثم بُيّنت هذه الخالصة بأقصى ما تعبر عنه اللغة وهي أنها { ذِكرى الدَّارِ } .
والذكرى : اسم مصدر يدل على قوة معنى المصدر مثل الرّجعى والبُقيا لأن زيادة المبنَى تقتضي زيادة المعنى . والدار المعهودة لأمثالهم هي الدار الآخرة ، أي بحيث لا ينسون الآخرة ولا يقبلون على الدنيا ، فالدار التي هي محلّ عنايتهم هي الدار الآخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " فأقول مَا لي وللدنيا " . وأشار قوله تعالى : { بخالصةٍ ذكرى الدَّارِ } إلى أن مبدأ العصمة هو الوحي الإِلهي بالتحذير مما لا يرضي الله وتخويف عذاب الآخرة وتحبيب نعيمها فتحدث في نفس النبي صلى الله عليه وسلم شدة الحذر من المعصية وحبُّ الطاعة ثم لا يزال الوحي يتعهده ويوقظه ويجنبه الوقوع فيما نُهي عنه فلا يلبث أن تصير العصمة ملكة للنبيء يكره بها المعاصي ، فأصل العصمة هي منتهى التقوى التي هي ثمرة التكليف ، وبهذا يمكن الجمع بين قول أصحابنا : العصمة عدم خَلق المعصية مع بقاء القدرة على المعصية ، وقوللِ المعتزلة : إنها ملكة تمنع عن إرادة المعاصي ، فالأولون نظروا إلى المبدأ والأخيرون نظروا إلى الغاية ، وبه يظهر أيضاً أن العصمة لا تنافي التكليف وترتَّب المدححِ على الطاعات .
وقرأ نافع وهشام عن ابن عامر وأبو جعفر « خالصة » بدون تنوين لإِضافته إلى { ذكرى الدارِ } والإضافة بيانية لأن { ذِكرى الدَّارِ } هي نفس الخالصة ، فكأنه قيل : بذكرى الدار ، وليست من إضافة الصفة إلى الموصوف ولا من إضافة المصدر إلى مفعوله ولا إلى فاعله ، وإنما ذكر لفظ « خالصة » ليقع إجمال ثم يفصل بالإِضافة للتنبيه على دقة هذا الخلوص كما أشرنا إليه . والتعريفُ بالإِضافة لأنها أقصى طريق للتعريف في هذا المقام . وقرأ الجمهور بتنوين « خالصةً » فيكون { ذكرى الدار } عطف بيان أو بدلاً مطابقاً . وغرض الإجمال والتفصيل ظاهر . وإضافة « خالصة » إلى { ذِكرى الدَّارِ } في قراءة نافع من إضافة الصفة إلى الموصوف وإبدالها منها في قراءة الجمهور من إبدال الصفة من الموصوف . ويجوز أن يكون { ذِكرى } مرادف الذكر بكسر الذال ، أي الذكر الحسن ، كقوله تعالى : { وجعلنا لهم لسان صدق علياً } [ مريم : 50 ] وتكون { الدَّارِ } هي الدار الدنيا . ويجوز أن يكون مرادفاً للذُّكر بضم الذال وهو التذكر الفكري ومراعاة وصايا الدين . و { الدار } : الدار الآخرة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ذكر الله تعالى هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب بن إسحاق، فقال: {إنا أخلصناهم} للنبوة والرسالة {بخالصة ذكرى الدار}.
حدثنا أبو جعفر، قال حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد، عن ابن جابر أنه سمع عطاء الخراساني في قوله: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار}: جعلناهم أذكر الناس لدار الآخرة يعني الجنة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله عَزّ وجلّ:"إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ" يقول تعالى ذكره: إنا خصصناهم بخاصة: ذكر الدار.
واختلف القرّاء في قراءة قوله "بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ"؛ فقرأته عامة قرّاء المدينة: "بخالصة ذكرى الدار "بإضافة خالصة إلى ذكرى الدار، بمعنى: أنهم أخلصوا بخالصة الذكرى، والذكرى إذا قُرئ كذلك غير الخالصة... وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق: "بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ" بتنوين قوله (خَالِصَة) وردّ ذكرى عليها، على أن الدار هي الخالصة، فردّوا الذكر وهي معرفة على خالصة، وهي نكرة...
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قَرَأَة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد اختلف أهل التأويل، في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معناه: إنا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدار: أي أنهم كانوا يذَكِّرون الناس الدار الآخرة، ويدعونهم إلى طاعة الله، والعمل للدار الآخرة...
وقال آخرون: معنى ذلك أنه أخلصهم بعملهم للآخرة وذكرهم لها...
وقال آخرون: معنى ذلك: إنا أخلصناهم بأفضلِ ما في الآخرة؛ وهذا التأويل على قراءة من قرأه بالإضافة. وأما القولان الأوّلان فعلى تأويل قراءة من قرأه بالتنوين...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: خالصة عُقْبَى الدار...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بخالصة أهل الدار...
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك على قراءة من قرأه بالتنوين أن يقال: معناه: إنا أخلصناهُمْ بخالصة هي ذكرى الدار الآخرة، فعملوا لها في الدنيا، فأطاعوا الله وراقبوه؛ وقد يدخل في وصفهم بذلك أن يكون من صفتهم أيضا الدعاء إلى الله وإلى الدار الآخرة، لأن ذلك من طاعة الله، والعمل للدار الآخرة، غير أن معنى الكلمة ما ذكرت. وأما على قراءة من قرأه بالإضافة، فأن يقال: معناه: إنا أخلصناهم بخالصة ما ذكر في الدار الآخرة؛ فلمَّا لم تُذْكر "في" أضيفت الذكرى إلى الدار.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أصله: أن الله عز وجل أخلصهم وصفاهم، واختارهم لنفسه وخصهم بها، وجعل همتهم للرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا واختيار ذكر الآخرة على ذكر الدنيا.
أو أن يكون قوله عز وجل {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}: أي شرف الدار حتى صاروا مذكورين مشرفين في الدار...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"إنا أخلصناهم": الإخلاص: إخراج كل شائب من الشيء ليس من شكله...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
«أخلصناهم» على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهمّ آخر، إنما همهم ذكرى الدار لا غير.
{ذِكْرَى الدار}: قيل: ذكرى الدار: الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم. فإن قلت: ما معنى {أخلصناهم بِخَالِصَةٍ}؟ قلت: معناه: أخلصناهم بسبب هذه الخصلة، وبأنهم من أهلها، أو أخلصناهم بتوفيقهم لها، واللطف بهم في اختيارها، وتعضد الأوّل قراءة من قرأ: «بخالصتهم»...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{بخالصة} يحتمل أن يكون خالصة اسم فاعل كأنه عبر بها عن مزية أو رتبة...
ف {ذكرى} على هذا ما أن يكون في موضع نصب بالمصدر على تقدير: {إنا أخلصناهم} بأن أخلصنا لهم ذكرى الدار، ويكون «خالصة» مصدراً من أخلص على حذف الزوائد.
وإما أن يكون {ذكرى} في موضع رفع بالمصدر على تقدير {إنا أخلصناهم} بأن خلصت لهم ذكرى الدار، وتكون «خالصة» من خلص...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما اشتد تشوف السامع لما استحقوا به هذا الذكر، قال مؤكداً إشارة إلى محبته سبحانه لمدحهم ورداً على من ينسب إليهم أو إلى أحد منهم ما لا يليق كما كذبه اليهود فيما بدلوه من التوراة في حق إسحاق عليه السلام في بعض المواضع معدياً للفعل بالهمزة إشارة إلى أنه جذبهم من العوائق إليه جذبة واحدة هي في غاية السرعة:
{إنا أخلصناهم} أي لنا إخلاصاً يليق بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة.
{بخالصة} أي أعمال وأحوال ومقامات وبلايا ومحن هي سالمة عن شوب ما، فصاروا بالصبر عليها في غاية الخلوص.
ولما كان سبب الإخلاص تذكر يوم الدين وما يبرز فيه من صفات الجلال والجمال وينكشف فيه من الأمور التي لا توصف عظمتها، بينها بقوله: {ذكرى الدار} أي تذكرهم تلك الخالصة تذكيراً عظيماً لا يغيب عنهم أصلاً، الدار التي لا يستحق غيرها أن يسمى داراً بوجه؛ بحيث نسوا بذكر هذا الغائب ذكر ما يشاهدونه من دار الدنيا، فهم لا ينظرون إليه أصلاً بغضاً فيها، فقد أنساهم هذا الغائب الثابت الشاهد الزائل عكس ما عليه العامة، وإضافة نافع وأبي جعفر وهشام عن ابن عامر بخلاف عنه لخالصة مؤيد لما قلت من أن ذكرى بيان؛ لأنها إضافة الصفة إلى الموصوف، والمعنى أنهم لا يعملون شيئاً إلا وهو مقرب للآخرة، فالمعنى أن ذكرهم لها خالص عن سواه لا يشاركه فيه شيء ولا يشوبه شوب أصلاً...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
تعريف الدار للعهد أي الدار الآخرة، وفيه إشعار بأنها الدار في الحقيقة وإنما الدنيا مجاز...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
طهرناهم من درَن النفوس، فصارت نفوسهم نقية من العيوب العارضة للبشر، وهذا الإِخلاص هو معنى العصمة اللازمة للنبوءة، والعصمة: قوة يجعلها الله في نفس النبي تَصْرِفُه عن فعل ما هو في دينه معصية لله تعالى عمداً أو سهواً، وعمّا هو موجب للنفرة والاستصغار عند أهل العقول الراجحة من أمة عصره.
وأركان العصمة أربعة: الأول: خاصية للنفس يخلقها الله تعالى تقتضي ملكة مانعة من العصيان.
الثاني: حصول العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات.
الثالث: تأكد ذلك العلم بتتابع الوحي والبيان من الله تعالى.
الرابع: العتاب من الله على ترك الأوْلى وعلى النسيان...
وإسناد الإِخلاص إلى الله تعالى؛ لأنه أمر لا يحصل للنفس البشرية إلا بجعل خاص من الله تعالى وعناية لَدُنِيّة بحيث تنزع من النفس غلبة الهوى في كل حال وتصرف النفس إلى الخير المحض، فلا تبقى في النفس إلا نزعات خفيفة تُقلع النفس عنها سريعاً بمجرد خطورها، قال النبي صلى الله عليه وسلم « إني لُيَغَانُ على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة»...
وأشار قوله تعالى: {بخالصةٍ ذكرى الدَّارِ} إلى أن مبدأ العصمة هو الوحي الإِلهي بالتحذير مما لا يرضي الله وتخويف عذاب الآخرة وتحبيب نعيمها؛ فتحدث في نفس النبي صلى الله عليه وسلم شدة الحذر من المعصية وحبُّ الطاعة ثم لا يزال الوحي يتعهده ويوقظه ويجنبه الوقوع فيما نُهي عنه فلا يلبث أن تصير العصمة ملكة للنبيء يكره بها المعاصي، فأصل العصمة هي منتهى التقوى التي هي ثمرة التكليف، وبهذا يمكن الجمع بين قول أصحابنا: العصمة عدم خَلق المعصية مع بقاء القدرة على المعصية، وقولِ المعتزلة: إنها ملكة تمنع عن إرادة المعاصي، فالأولون نظروا إلى المبدأ والأخيرون نظروا إلى الغاية، وبه يظهر أيضاً أن العصمة لا تنافي التكليف وترتَّب المدحِ على الطاعات...