جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } .

يقول جلّ ثناؤه : واذكروا أيضا حين آذنكم ربكم . وتأذّن : تفعّل من أذن ، والعرب ربما وضعت «تفعّل » موضع «أفعل » ، كما قالوا : أوعدته وتوعدته بمعنى واحد ، وآذن : أعلم ، كما قال الحارث بن حِلّزة :

آذَنَتْنا بِبَيْنِها أسمْاءُ *** رُبّ ثاوٍ يُمَلّ مِنْهُ الثّوَاءُ

يعني بقوله : آذنتنا : أعلمتنا .

وذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ «وإذ قال ربكم » .

حدثني بذلك الحارث ، قال : ثني عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وبه ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ : وإذ قال ربكم ذلك التأذّن .

وقوله : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكُمْ يقول : لئن شكرتم ربكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمه عليكم على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص من عذابهم . وقيل في ذلك قول غيره ، وهو ما :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا الحسن بن الحسن ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : سمعت عليّ بن صالح ، يقول في قول الله عزّ وجلّ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكم قال : أي من طاعتي .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت عليّ بن صالح ، فذكر نحوه .

حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان : لئنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكُمْ قال : من طاعتي .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزيدَنّكُمْ قال : من طاعتي .

ولا وجه لهذا القول يفهم ، لأنه لم يجر للطاعة في هذا الموضع ذكر ، فيقال : إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جرى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله : وَإذْ قالَ مُوسَى لقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم ، فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام : زادهم من نعمه ، لا مما لم يجر له ذكر من الطاعة ، إلا أن يكون أريد به : لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجها .

وقوله : وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ يقول : ولئن كفرتم أيها القوم نعمة الله ، فجحدتموها ، بترك شكره عليها ، وخلافه في أمره ونهيه وركوبكم معاصيَه إنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ : أعذّبكم كما أعذّب من كفر بي من خلقي . وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله : وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ وتأذّن ربكم . ويقول : «إذ » من حروف الزوائد . وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

عطف على { إذ أنجاكم من آل فرعون } فهو من كلام موسى عليه السلام والتقدير : واذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذّن ربكم لئن شكرتم الخ ، لأن الجزاء عن شكر النعمة بالزيادة منها نعمةٌ وفضل من الله ، لأن شكر المنعم واجب فلا يستحق جزاءً لولا سعة فضل الله . وأما قوله : { ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } فجاءت به المقابلة .

ويجوز أن يعطف { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } على { نعمة الله عليكم } . فيكون التقدير : واذكروا إذ تأذن ربكم ، على أن { إذ } منصوبة على المفعولية وليست ظرفاً وذلك من استعمالاتها . وقد تقدم عند قوله تعالى في سورة الأعراف ( 167 ) : { وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم } وقوله : { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } [ سورة الأعراف : 86 ] .

ومعنى { تأذن ربكم } تكلّم كلاماً عَلَناً ، أي كلم موسى عليه السلام بما تضمنه هذا الذي في الآية بمسمع من جماعة بني إسرائيل . ولعل هذا الكلام هو الذي في الفقرات ( 9 20 ) من الإصحاح ( 19 ) من « سفر الخروج » ، والفقرات ( 1 18 ، 22 ) من الإصحاح ( 20 ) منه ، والفقرات ( من 20 إلى 30 ) من الإصحاح ( 23 ) منه .

والتأذن مبالغة في الأذان يقال : أذن وتأذّن كما يقال : توعّد وأوعد ، وتفضّل وأفضل . ففي صيغة تفعّل زيادة معنى على صيغة أفْعَلَ .

وجملة { لئن شكرتم } موطئة للقسم والقسم مستعلم في التأكيد . والشكر مؤذن بالنعمة . فالمراد : شكر نعمة الإنجاء من آل فرعون وغيرها ، ولذلك حذف مفعول { شكرتم } ومفعول { لأزيدنكم } ليقدر عاماً في الفعلين .

والكفر مراد به كفر النعمة وهو مقابلة المنعم بالعصيان . وأعظم الكفر جحد الخالق أو عبادة غيره معه وهو الإشراك ، كما أن الشكر مقابلة النعمة بإظهار العبودية والطاعة .

واستغنى ب { إن عذابي لشديد } عن { لأعذبنه عذاباً شديداً } [ النمل : 21 ] لكونه أعم وأوجز ، ولكون إفادة الوعيد بضرب من التعريض أوقع في النفس . والمعنى : إن عذابي لشديد لمن كفر فأنتم إذن منهم .