جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (79)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّي وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . .

وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن خليله إبراهيم عليه السلام ، أنه لما تبين له الحقّ وعرفه ، شهد شهادة الحقّ ، وأظهر خلاف قومه أهل الباطل وأهل الشرك بالله ، ولم يأخذه في الله لومة لائم ، ولم يستوحش من قيل الحقّ والثبات عليه ، مع خلاف جميع قومه لقوله وإنكارهم إياه عليه ، وقال لهم : يا قوم إني بريء مما تشركون مع الله الذي خلقني وخلقكم في عبادته من آلهتكم وأصنامكم ، إني وجهت وجهي في عبادتي إلى الذي خلق السموات والأرض ، الدائم الذي يبقى ولا يفنى ويحيي ويميت ، لا إلى الذي يفنَى ولا يبقَى ويزول ولا يدوم ولا يضرّ ولا ينفع . ثم أخبرهم تعالى ذكره أن توجيهه وجهه لعبادته بإخلاص العبادة له والاستقامة في ذلك لربه على ما يجب من التوحيد ، لا على الوجه الذي يوجه له وجهه من ليس بحنيف ، ولكنه به مشرك ، إذ كان توجيه الوجه لا على التحنيف غير نافع موجهه بل ضارّه ومهلكه . وَما أنا مِنَ المُشْرِكِينَ يقول : ولست منكم أي لست ممن يدين دينكم ويتبع ملتكم أيها المشركون .

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول قوم إبراهيم لإبراهيم : تركت عبادة هذه ؟ فقال : إنّي وَجّهْتُ وَجْهِيَ للّذِي فَطَرَ السّمَوَاتِ والأرْضَ فقالوا : ما جئت بشيء ونحن نعبده ونتوجهه ، فقال : لاحَنِيفا قال : مخلصا ، لا أشركه كما تشركون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (79)

و { وجهت وجهي } أي أقبلت بقصدي وعبادتي وتوحيدي وإيماني وغير ذلك مما يعمه المعنى المعبر عنه ب { وجهي } ، و { فطر } معناه : ابتدع في أجرام ، و { حنيفاً } معناه مستقيماً ، والحنف الميل في كلام العرب ، وأصله في الأشخاص وهو في المعاني مستعار ، فالمعوج في الأجرام أحنف على الحقيقة أي مائل والمستقيم فيها أحنف على تجوز كأنه مال عن كل جهة إلى القوام{[4992]} .


[4992]:- أي إلى الاستقامة والاعتدال في الوسط. وهي بالفتح، أما قوام الأمر بالكسر فمعناها: نظامه وعماده الذي يقوم به، وقد يفتح (اللسان).