بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (79)

{ إِنّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ } يعني : أخلصت ديني وعملي { لِلَّذِي فَطَر السماوات } يعني : خلق السموات { والأرض حَنِيفاً } يقول : إني وجهت وجهي مخلصاً مستقيماً { وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين } على دينكم . ويقال : إن قوله { هذا رَبّي } قال ذلك لقومه على جهة الاستهزاء بهم . كما قال : { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْألُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] ويقال : أراد بهذا أن يستدرجهم فيظهر قبيح فعلهم ، وخطأ مذهبهم وجهلهم . لأنهم كانوا يعبدون النجوم والشمس ، والقمر . فلما رأى الكوكب قال لهم : { هذا رَبّي } . وأظهر لهم أنه يعبد ما يعبدون .

فلما غاب الكوكب قال لهم : { لا أُحِبُّ الآفلين } فأخبرهم بأن الآفل لا يصلح أن يكون إلها . ثم قال في الشمس والقمر هكذا . كما روي عن عيسى عليه السلام أنه بعث رسولاً إلى ملك أرض . فلما انتهى إليهم ، جعل يسجد ويصلي عند الصنم ويريهم أنه يعبد الصنم ، وهو يريد عبادة الله تعالى . ثم إن الملك ظهر له عدو . فقالوا لهذا الرسول : أشر علينا بشيء في هذا الأمر . فقال : نتشفع إلى هذا الذي نعبده . فجعلوا يسجدون له ويتشفعون إليه ، فلا يسمعون منه جواباً . فقالوا : إنه لا ينفعنا شيئاً . قال لهم : لم تعبدون من لا يدفع عنا ضراً ؟ ارجعوا حتى نعبد من ينفعنا . فقالوا لمن نعبد ؟ قال : لرب السماء . فجعل يدعو ويدعون حتى فرّج ، الله عنهم . فآمن به بعضهم . وكذلك هاهنا أراد إبراهيم عليه السلام أن يريهم قبح ما يعبدون من دون الله ، لعلهم يرجعون فلما لم يرجعوا قال { قَالَ يا قوم إِنّي بَرِيء مّمَّا تُشْرِكُونَ } قرأ حمزة والكسائي { رَأَى كَوْكَباً } بكسر الراء والألف ، وهي لغة لبعض العرب والنصب أفصح .