تفسير الأعقم - الأعقم  
{إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (79)

{ للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين } ، قيل : يعني مخلصاً .

قيل : إن إبراهيم ( عليه السلام ) ولد زمن نمرود بن كنعان وكان نمرود أول من وضع التاج على رأسه ودعى الناس إلى عبادته ، وكان له كُهَّان ومنجمون فقالوا له : إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام بغير دين أهل الأرض يكون هلاك ملكك على يديه ، وقيل : إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء ( عليهم السلام ) فعند ذلك أمر بقتل كل غلام يولد في تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء ، خوفاً من المولود فبدت له حاجة في مصر فلم يأمن على ذلك إلاَّ آزر أب إبراهيم ( عليه السلام ) فدعاه وحلفه ألاَّ يقرب أهله فدخل البلد فواقع أهله فحبلت بإبراهيم ( عليه السلام ) فقال الكهنة للنمرود : أن الغلام الذي كنَّا نقول لك قد حبلت به أُمّه ، فأمر بذبح الغلمان ، فلما دنت ولادة إبراهيم ( عليه السلام ) خرجت أُمُّه هاربة فولدته ولفَّته في خرقة ، ثم أخبرت زوجها فانطلق إليه وأخذه وانطلق به إلى سرب فكانت أُمُّه تختلف إليه ، وقيل : حمل آزر امرأته إلى سرب فولدت ، ثم وقيل : نظرت أُمُّه إلى أصابعه فوجدته يمص من إصبع تمراً ، ومن إصبع ماءاً ، ومن إصبع لبناً ، ومن إصبع عسلاً ، ومن إصبع سمناً ، وروي أن أُمّه ولدته في مغارة وكانت تختلف إليه فسألها آزر فقالت ولدت غلاماً ومات ، فشبَّ ولم يلبث إلا خمسة عشر يوماً حتى رجع إلى أبيه ، وقال : أنا ابنك ، وقالت أمُّه : هو ابنك ، ففرح بذلك ، وروي أن إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) لما شبَّ قال لأمّه : من ربي ؟ قالت : أنا ، قال : فمن ربُّكِ ؟ قالت : أبوك ، قال : فمن ربُّ أبي ؟ قالت : النمرود ، قال : فمن ربُّ النمرود ؟ قالت : اسكت ، ثم رجعت إلى آزر فقالت : أرأيت هذا الغلام الذي كنَّا نحذر منه أنه بغير الذي هو ابنك ، فأتاه آزر فقال إبراهيم : يا أبه من ربي ؟ قال : أمك ، قال : فمن ربُّ أمي ؟ قال : أنا ، قال : فمن ربُّك ؟ قال : النمرود ، قال : فمن ربُّ النمرود ؟ فلطمه وقال : اسكت ، ثم أخرجاه من السرب ، فرأى الإِبل والغنم والخيل فقال : ما هذا ؟ فقال : إبل وخيل وغنم ، فقال : لا بد أن يكون لها رب ثم نظر إلى الكوكب ثم إلى القمر ثم إلى الشمس فقال ما تقدم ذكره ، روي الخبر المتقدم في الحاكم والثعلبي وهو أيضاً كلام الفقيه شهاب الدين أحمد بن مفضل ( رحمه الله ) ، قال ابن عباس : لما حملت به قال الكهنة للنمرود : ان الغلام الذي أخبرناك به قد حملت به أمه الليلة ، فأمر النمرود بذبح الغلمان ، فلما دنت ولادة إبراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطلع عليها فيقتل فولدته وأخبرت زوجها بأنها قد ولدت ، وأن المولود في موضع كذا ، فانطلق أبوه فأخذه من ذلك المكان وحفر له سرباً عند نهر فواراه به ، وسدّ عليه بابه بصخرة مخافة السباع ، وكانت أمّه تختلف إليه وترضعه ، وقال ابن إسحاق : لما وجدت الطلق أم ابراهيم خرجت ليلاً إلى مغارة كانت قريباً منها ثم سدت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها ، وكانت تختلف إليه .