جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : يُنبت لكم ربكم بالماء الذي أنزل لكم من السماء زرعَكم وزيتونَكم ونخيلكم وأعنابكم ومِنْ كُلّ الثّمراتِ يعني من كلّ الفواكه غير ذلك أرزاقا لكم وأقواتا وإداما وفاكهة ، نعمة منه عليكم بذلك وتفضّلاً ، وحُجة على من كفر به منكم . إنّ فِي ذلكَ لاَيَةً يقول جلّ ثناؤه : إن في إخراج الله بما ينزل من السماء من ماء ما وصف لكم لاَيةً يقول : لدلالة واضحة وعلامة بينة ، لقومٍ يَتَفَكّرُونَ يقول : لقوم يعتبرون مواعظ الله ويتفكّرون في حججه ، فيتذكرون وينيبون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (11)

{ يُنبت لكم به الزرع } وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم . { والزيتون والنخيل والأعناب من كل الثمرات } وبعض كلها إذا لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار ، ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاء حيوانيا هو أشرف الأغذية ، ومن هذا تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها . { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } على وجود الصانع وحكمته ، فإن من تأمل أن الحبة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها ، فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجرة ، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها . ثم ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار ، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطباع مع اتحاد المواد ونسبة الطبائع السفلية والتأثيرات الفلكية إلى الكل ، علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد ولعل فصل الآية به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (11)

جملة { ينبت } حال من ضمير { أنزل } [ سورة النحل : 10 ] ، أي ينبت الله لكم .

وإنما لم يعطف هذا على جملة { لكم منه شراب } [ سورة النحل : 10 ] لأنّه ليس مما يحصل بنزول الماء وحده بل لا بدّ معه من زرع وغرس .

وهذا الإنبات من دلائل عظيم القدرة الربّانية ، فالغرض منه الاستدلال ممزوجاً بالتذكير بالنّعمة ، كما دلّ عليه قوله : { لكم } على وزان ما تقدم في قوله تعالى : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء } [ سورة النحل : 5 ] الآية ، وقوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } [ سورة النحل : 8 ] الآية .

وأسند الإنبات إلى الله لأنه الملهم لأسبابه والخالق لأصوله تنبيهاً للناس على دفع غرورهم بقدرة أنفسهم ، ولذلك قال : { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } لكثرة ما تحت ذلك من الدقائق .

وذكر الزرع والزيتون وما معهما تقدم غير مرة في سورة الأنعام .

والتفكّر تقدم عند قوله تعالى : { قل هل يستوي الأعمى والبصيرأفلا تتفكرون } في سورة الأنعام ( 50 ) .

وإقحام لفظ قوم للدلالة على أن التفكّر من سجاياهم ، كما تقدم عند قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) .

و{ من كل الثمرات } عطف على { الزرع والزيتون } ، أي وينبت لكم به من كل الثمرات مما لم يذكر هنا .

والتعريف تعريف الجنس . والمراد : أجناس ثمرات الأرض التي ينبتها الماء ، ولكل قوم من الناس ثمرات أرضهم وجَوّهم . و { من } تبعيضية قصد منها تنويع الامتنان على كل قوم بما نالهم من نعم الثمرات . وإنما لم تدخل على الزرع وما عطف عليه لأنها من الثمرات التي تنبت في كل مكان .

وجملة { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } تذييل .

والآية : الدلالة على أنه تعالى المبدع الحكيم . وتلك هي إنبات أصناف مختلفة من ماء واحد ، كما قال : { تسقى بماء واحد } في سورة الرعد ( 4 ) .

ونيطت دلالة هذه بوصف التفكير لأنها دلالة خفية لحصولها بالتدريج . وهو تعريض بالمشركين الذين لم يهتدوا بما في ذلك من دلالة على تفرّد الله بالإلهية بأنهم قوم لا يتفكرون .

وقرأ الجمهور { ينبت } بياء الغيبة . وقرأه أبو بكر عن عاصم بنون العظمة .