فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (11)

{ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( 11 ) } .

{ يُنبِتُ } الله { لَكُم بِهِ } أي بذلك الماء الذي أنزله من السماء ؛ وهذا استئناف إخبار عن منافع الماء وقدم { الزَّرْعَ } لأنه أصل الأغذية التي يعيش بها الناس ، وهو الحب الذي يقتات به كالحنطة والشعير وما أشبههما . { وَ } ذكر { الزَّيْتُونَ } بعد الزرع لكونه فاكهة من وجه وادما من وجه لكثرة ما فيه من الدهن والبركة وهو جمع زيتونة ويقال للشجرة نفسها زيتونة{[1044]} { وَ } ذكر { النَّخِيلَ } لكونه غذاء وفاكهة وهو مع العنب أشرف الفواكه { وَ } جمع { الأَعْنَابَ } لاشتمالها على الأصناف المختلفة ، وهي شبه النخلة في المنفعة من التفكه والتغذية .

ثم أشار إلى سائر الثمرات إجمالا فقال : { وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } كما أجمل الحيوانات التي لم يذكرها فيما سبق بقوله ويخلق ما لا تعلمون ومن تبعيضية إذ كلها إنما يوجد في الجنة وما أنبتت الأرض بعض من كلها للتذكرة .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإنزال والإنبات { لآيَةً } عظيمة دالة على كمال القدرة والتفرد بالربوبية { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في مخلوقات الله ولا يهملون النظر في مصنوعاته ، وقد ذكر لفظ الآية في هذه السورة سبع مرات خمس بالإفراد واثنتان بالجمع قال الكرماني : ما جاء الإفراد فلوحدة المدلول و هو الله تعالى ، وما جاء منها بلفظ الجمع فلمناسبة مسخرات انتهى .

وختم هذه الفاصلة بالتفكر لأن النظر في ذلك يعني إنبات النبات بالماء يحتاج إلى تأمل واستعمال فكر ، ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وضعت في الأرض ومر عليها مقدار من الزمان مع رطوبة الأرض فإنها تنتفخ وينشق أعلاها فتصعد منه شجرة إلى الهواء وأسفلها تغوص منه عروق في الأرض ثم ينمو الأعلى ويقوى وتخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الطباع والطعوم والألوان والروائح والأشكال والمنافع .

ومن تفكر في ذلك علم أن من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في شيء من صفات الكمال فضلا عن أن يشاركه أخس الأشياء في أخص صفاته التي هي الألوهية واستحقاق العبادة تعالى عن ذلك علوا كبيرا ذكره الخازن وأبو السعود .


[1044]:وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتبه فوائد جمة للزيتون.