جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ مَا لِهََذَا الرّسُولِ يَأْكُلُ الطّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىَ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظّالِمُونَ إِن تَتّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مّسْحُوراً } .

ذُكر أن هاتين الاَيتين نزلتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان مشركو قومه قالوا له ليلة اجتماع أشرافهم بظهر الكعبة ، وعرضوا عليه أشياء ، وسألوه الاَيات .

فكان فيما كلّموه به حينئذٍ ، فيما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جُبير ، أو عكرِمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن قالوا له : فإن لم تفعل لنا هذا يعني ما سألوه من تسيير جبالهم عنهم ، وإحياء آبائهم ، والمجيء بالله والملائكة قبيلاً ، وما ذكره الله في سورة بني إسرائيل فخذ لنفسك ، سلْ ربك يبعثْ معك ملَكا يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسَلْه فيجعل لك قصورا وجنانا وكنوزا من ذهب وفضة ، تغنيك عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، حتى نعلم فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنا بِفاعِلٍ » فأنزل الله في قولهم : أنْ خُذْ لنفسك ما سألوه أن يأخذ لها : أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا ، أو يبعث معه ملَكا يصدّقه بما يقول ويردّ عنه من خاصمه . وقالُوا ما لِهَذَا الرّسُولِ يأْكُلُ الطّعامَ ويَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا أوْ يُلْقَى إلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظّالِمُونَ إنْ تَتّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُورا .

فتأويل الكلام : وقال المشركون ما لِهَذا الرّسُولِ : يَعْنون محمدا صلى الله عليه وسلم ، الذي يزعم أن الله بعثه إلينا ، يَأكُلُ الطعَامَ كما نأكل ، ويَمْشِي في أسواقنا كما نمشي . لَوْلاَ أنْزِلَ إلَيهِ يقول : هلا أنزل إليه ملَك إن كان صادقا من السماء ، فَيَكُونَ مَعَه منذرا للناس ، مصدّقا له على ما يقول ، أو يلقى إليه كنز من فضة أو ذهب فلا يحتاج معه إلى التصرّف في طلب المعاش ، أوْ تكون له جنة يقول : أو يكون له بستان يَأكُلُ مِنْها .

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : يَأْكُلُ بالياء ، بمعنى : يأكل منها الرسول . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : «نَأْكُلُ مِنْها » بالنون ، بمعنى : نأكل من الجنة .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالياء وذلك للخبر الذي ذكرنا قبل بأن مسألة من سأل من المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه هذه الخلال لنفسه لا لهم فإذ كانت مسألتهم إياه ذلك كذلك ، فغير جائز أن يقولوا له : سلْ لنفسك ذلك لنأكل نحن .

وبعدُ ، فإن في قوله تعالى ذكره : تَبَارَكَ الّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرا مِنْ ذَلِكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ، دليلاً بيّنا على أنهم إنما قالوا له : اطلب ذلك لنفسك ، لتأكل أنت منه ، لا نحن .

وقوله : وَقال الظّالِمُونَ يقول : وقال المشركون للمؤمنين بالله ورسوله : إنْ تَتّبِعُونَ أيّها القوم ، باتباعكم محمدا إِلاّ رَجُلاً به سحر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

{ وقالوا مال هذا الرسول } ما لهذا الذي يزعم الرسالة وفيه استهانة وتهكم . { يأكل الطعام } كما نأكل . { ويمشي في الأسواق } لطلب المعاش ما نمشي ، والمعنى إن صح دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا ، وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأحوال نفسانية كما أشار إليه تعالى بقوله { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد } . { لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا } لنعلم صدقة بتصديق الملك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

انتقال من حكاية مطاعنهم في القرآن وبيان إبطالها إلى حكاية مطاعنهم في الرسول عليه الصلاة والسلام .

والضمير عائد إلى الذين كفروا ، فمدلول الصفة مراعىً كما تقدم .

وقد أوردوا طعنهم في نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الاستفهام عن الحالة المختصة به إذ أوردوا اسم الاستفهام ولام الاختصاص والجملة الحالية التي مضمونها مثارُ الاستفهام .

والاستفهام تعجيبي مستعمل في لازمه وهو بطلان كونه رسولاً بناء على أن التعجب من الدعوى يقتضي استحالتها أو بطلانها . وتركيب { ما لهذا } ونحوه يفيد الاستفهام عن أمر ثابت له ، فاسم الاستفهام مبتدأ و { لهذا } خبر عنه فمثار الاستفهام في هذه الآية هو ثبوت حال أكل الطعام والمشي في الأسواق للذي يدعي الرسالة من الله .

فجملة : { يأكل الطعام } جملة حال . وقولهم : { لهذا الرسول } أجروا عليه وصف الرسالة مجاراة منهم لقوله وهم لا يؤمنون به ولكنهم بنوا عليه ليتأتى لهم التعجب والمراد منه الإحالة والإبطال .

والإشارة إلى حاضر في الذهن ، وقد بين الإشارة ما بعدها من اسم معرّف بلام العهد وهو الرسول .

وكنّوا بأكل الطعام والمشي في الأسواق عن مماثلة أحواله لأحوال الناس تذرعاً منهم إلى إبطال كونه رسولاً لزعمهم أن الرسول عن الله تكون أحواله غير مماثلة لأحوال الناس ، وخصّوا أكل الطعام والمشي في الأسواق لأنهما من الأحوال المشاهدة المتكررة ، ورد الله عليهم قولهم هذا بقوله : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } [ الفرقان : 20 ] . ثم انتقلوا إلى اقتراح أشياء تؤيد رسالته فقالوا : { لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً } . وخصوا من أحوال الرسول حال النذارة لأنها التي أنبتت حقدهم عليه .

و ( لولا ) حرف تحضيض مستعمل في التعجيز ، أي لو أنزل إليه ملك لاتبعناه .

وانتصب ( فيكونَ ) على جواب التحضيض .