جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم :

القول في تأويل قوله تعالى : { سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } .

يقول جلّ ثناؤه : سَبّحَ لِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ السبع وَما فِي الأرْضِ من الخلق ، مُذعنين له بالألوهة والربوبية وَهُوَ العَزِيزُ في نقمته ممن عصاه منهم ، فكفر به ، وخالف أمره الْحَكِيمُ في تدبيره إياهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصف مدنية وقيل مكية وآيها أربع عشرة آية .

بسم الله الرحمن الرحيم : { سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم }سبق تفسيره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

اشتهرت هذه السورة باسم { سورة الصف } وكذلك سميت في عصر الصحابة .

روى ابن أبي حاتم سنده إلى عبد الله بن سلام أن ناسا قالوا : لو أرسلنا إلى رسول الله نسأله عن أحب الأعمال إلى أن قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر حتى جمعهم ونزلت فيهم { سورة سبح لله الصف } الحديث ، رواه ابن كثير ، وبذلك عنونت في صحيح البخاري وفي جامع الترمذي ، وكذلك كتب اسمها في المصاحف وفي كتب التفسير .

ووجه التسمية وقوع لفظ { صفا } فيها وهو صف القتال ، فالتعريف باللام تعريف العهد .

وذكر السيوطي في الإتقان : أنها تسمى { سورة الحواريين } ولم يسنده . وقال الآلوسي تسمى { سورة عيسى } ولم أقف على نسبته لقائل . وأصله للطبرسي فلعله أخذ من حديث رواه في فضلها عن أبي بن كعب بلفظ { سورة عيسى } . وهو حديث موسوم بأنه موضوع . والطبرسي يكثر من تخريج الأحاديث الموضوعة . فتسميتها { سورة الحواريين } لذكر الحواريين فيها . ولعلها أول سورة نزلت ذكر فيها لفظ الحواريين .

وإذا ثبت تسميتها { سورة عيسى } فلما فيها من ذكر { عيسى } مرتين .

وهي مدنية عند الجمهور كما يشهد لذلك حديث عبد الله بن سلام . وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء أنها مكية ودرج عليه في الكشاف والفخر . وقال ابن عطية : الأصح أنها مدنية ويشبه أن يكون فيها المكي .

واختلف في سبب نزولها وهل نزلت متتابعة أو متفرقة متلاحقة .

وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } قال عبد الله بن سلام فقرأها علينا رسول الله . وأخرجه الحاكم وأحمد في مسنده وابن أبي حاتم والدرامي بزيادة فقرأها علينا رسول الله حتى ختمها أو فقراها كلها .

فهذا يقتضي أنهم قيل لهم : لم تقولون ما لا تفعلون قبل أن يخلفوا ما وعدوا به فيكون الاستفهام مستعملا مجازا في التحذير من عدم الوفاء بما نذروه ووعدوا به .

وعن علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله أن أحب الأعمال : إيمان به وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به . فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم . فأنزل الله سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } .

ومثله عن أبي صالح أن السورة نزلت بعد أن أمروا بالجهاد بآيات غير هذه السورة . وبعد أن وعدوا بالانتداب للجهاد ثم تقاعدوا عنه وكرهوه . وهذا المروي عن ابن عباس وهو أوضح وأوفق بنظم الآية ، والاستفهام فيه للتوبيخ واللوم وهو المناسب لقوله بعده { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } .

وعن مقاتل بن حيان : قال المؤمنون : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به فدلهم الله فقال : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا } ، فابتلوا يوم أحد بذلك فولوا مدبرين فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } . ونسب الواحدي مثل هذا للمفسرين وهو يقتضي أن صدر الآية نزل بعد آخرها .

وعن الكلبي : أنهم قالوا : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها فنزلت { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } الآية . فابتلوا يوم أحد فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } تعيرهم بترك الوفاء . وهو يقتضي أن معظم السورة قبل نزول الآية التي في أولها .

وهي السورة الثامنة والمائة في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد . نزلت بعد سورة التغابن وقبل سورة الفتح . وكان نزولها بعد وقعة أحد .

وعدد آيها أربع عشرة آية باتفاق أهل العدد .

أغراضها

أول أغراضها التحذير من إخلاف الوعد والالتزام بواجبات الدين .

والتحريض على الجهاد في سبيل الله والثبات فيه ، وصدق الإيمان .

والثبات في نصرة الدين .

والائتساء بالصادقين مثل الحواريين .

والتحذير من أذى الرسول صلى الله عليه وسلم تعريضا باليهود مثل كعب بن الأشرف .

وضرب المثل لذلك بفعل اليهود مع موسى وعيسى عليهما السلام .

والتعريض بالمنافقين .

والوعد على إخلاص الإيمان والجهاد بحسن مثوبة الآخرة والنصر والفتح .

مناسبة هذه الفاتحة لما بعدها من السورة بيان أن الكافرين محقوقون بأن تقاتلوهم لأنهم شذوا عن جميع المخلوقات فلم يسبحوا الله ولم يصفوه بصفات الكمال إذ جعلوا له شركاء في الإلهية . وفيه تعريض بالذين أخلفوا ما وعدوا بأنهم لم يؤدُّوا حق تسبيح الله ، لأن الله مستحق لأن يوفّى بعهده في الحياة الدنيا وأن الله ناصر الذين آمنوا على عدوّهم .

وتقدم الكلام على نظير قوله : { سبح لله } إلى { الحكيم } في أول سورة الحشر وسورة الحديد .

وفي إجراء وصف { العزيز } عليه تعالى هنا إيماء إلى أنه الغالب لعدوّه فما كان لكم أن تَرهَبُوا أعداءه فتفرّوا منهم عند اللقاء .

وإجراء صفة { الحكيم } إن حملت على معنى المتصف بالحكمة أن الموصوف بالحكمة لا يأمركم بجهاد العدوّ عبثاً ولا يخليهم يغلبونكم . وإن حملت على معنى المُحكِم للأمور فكذلك .