جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مّرْصُوصٌ } .

يقول تعالى ذكره للقائلين : لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملناه حتى نموت : إنّ اللّهَ أيها القوم يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ كأنهم ، يعني في طريقه ودينه الذي دعا إليه صَفّا يعني بذلك أنهم يقاتلون أعداء الله مصطفين .

وقوله : { كأنّهُمْ بُنْيان مَرْصُوصٌ }يقول : يقاتلون في سبيل الله صفا مصطفا ، كأنهم في اصطفافهم هنالك حيطان مبنية قد رصّ ، فأحكم وأتقن ، فلا يغادر منه شيئا ، وكان بعضهم يقول : بني بالرصاص . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا كأنّهُم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ } ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحبّ أن يخلف بنيانه ، كذلك تبارك وتعالى لا يختلف أمره ، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم ، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا كأنّهُم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ قال : والذين صدّقوا قولهم بأعمالهم هؤلاء قال : وهؤلاء لم يصدّقوا قولهم بالأعمال لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم نكصوا عنه وتخلّفوا .

وكان بعض أهل العلم يقول : إنما قال الله إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا ليدلّ على أن القتال راجلا أحبّ إليه من القتال فارسا ، لأن الفرسان لا يصطفون ، وإنما تصطف الرجالة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن أبي بكر ابن أبي مريم ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي بحرية ، قال : كانوا يكرهون القتال على الخيل ، ويستحبون القتال على الأرض ، لقول الله : إنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا كأنّهُم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ قال : وكان أبو بحرية يقول : إذا رأيتموني التفتّ في الصفّ ، فجئوا في لحيي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا مصطفين مصدر وصف به كأنهم بنيان مرصوص في تراصهم من غير فرجة حال من المستكن في الحال الأول والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

هذا جواب على تمنيهم معرفةَ أحب الأعمال إلى الله كما في حديث عبد الله بن سَلام عند الترمذي المتقدم وما قبله توطئة له على أسلوب الخطب ومقدماتها .

والصف : عَدد من أشياء متجانبة منتظمة الأماكن ، فيطلق على صف المصلين ، وصفِّ الملائكة ، وصف الجيش في ميدان القتال بالجيش إذا حضر القتال كان صفّاً من رَجَّالة أو فرسان ثم يَقع تقدم بعضهم إلى بعض فرادى أو زرافات .

فالصفّ هنا : كناية عن الانتظام والمقاتلة عن تدبّر .

وأما حركات القتال فتعرض بحسب مصالح الحرب في اجتماع وتفرق وكرّ وفّر . وانتصب { صفاً } على الحال بتأويل : صافّين ، أو مصفوفين .

والمرصوص : المتلاصق بعضه ببعض . والتشبيه في الثبات وعدم الانفلات وهو الذي اقتضاه التوبيخ السابق في قوله : { لم تقولون ما لا تفعلون } [ الصف : 2 ] .