جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا أفرد الله جلّ ثناؤه بالذكر ، فدعي وحده ، وقيل لا إله إلا الله ، اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات . وعني بقوله : اشْمأَزّتْ : نفرت من توحيد الله . وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ يقول : وإذا ذُكر الاَلهة التي يدعونها من دون الله مع الله ، فقيل : تلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتها لترتجى ، إذا الذين لا يؤمنون بالاَخرة يستبشرون بذلك ويفرحون ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذَا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرَة : أي نفرت قلوبهم واستكبرت وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ الاَلهة إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : اشمأَزّتْ قال : انقبضت ، قال : وذلك يوم قرأ عليهم «النجم » عند باب الكعبة .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قوله : اشْمأزّتْ قال : نفرت وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ أوثانهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

{ وإذا ذكر الله وحده } دون آلهتهم . { اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } انقبضت ونفرت . { وإذا ذكر الذين من دونه } يعني الأوثان . { إذا هم يستبشرون } لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله ، ولقد بالغ في الأمرين حتى بلغ الغاية فيهما ، فإن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ، والاشمئزاز أن يمتلئ غما حتى ينقبض أديم وجهه ، والعامل في { إذا ذكر } العامل في إذ المفاجأة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

وقوله تعالى : { وإذا ذكر الله وحده } الآية ، قال مجاهد وغيره : نزلت في قراءة النبي عليه السلام سورة النجم عند الكعبة بمحضر من الكفار ، وعند ذلك ألقى الشيطان في أمنيته ، فقال : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، إنهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهم لترتجى } [ النجم : 19 ] فاستبشر الكفار بذلك وسروا ، فلما أذهب الله ما ألقى الشيطان ، أنفوا واستكبروا و اشمأزت نفوسهم{[9907]} ، ومعناه تقبضت كبراً أو أنفة وكراهية ونفوراً ، ومنه قول عمرو بن كلثوم : [ الوافر ]

إذا عض الثقاف بها اشمأزت . . . وولته عشوزنة زبونا{[9908]}

و : { الذين من دونه } يريد الذين يعبدون من دونه ، وجاءت العبارة في هذه الآية عن الأصنام كما يجيء عمن يعقل من حيث صارت في حيز من يعقل ، ونسب إليها الضر والنفع والألوهية ، ونفي ذلك عنها فعوملت معاملة من يعقل . و : { وحده } منصوب عند سيبويه على المصدر ، وعند الفراء على الحال .


[9907]:حديث الغرانيق هذا فيه كلام كثير يؤكد انه غير صحيح، قال عنه ابن عطية في سورة الحج:"لم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور"، وقال فيه القاضي عياض:"لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه بسند صحيح سليم متصل ثقة"، وقال أبو بكر البزار:"وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره". ونكتفي بهذا، ويمكنك الرجوع إلى تفسير الآية(52) من سورة (الحج).
[9908]:البيت من معلقة عمرو بن كلثوم، وقبله يقول مخاطبا الملك عمرو بن هند: فإن قناتنا يا عمرو أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا وفيه استعار لعزتهم اسم القناة، فقال: إن عزنا يا عمرو منيع لا يرام، وقد أعجز أعداؤنا قبلك عن خفض شوكتنا، والضمير في (بها) في البيت يعود على (القناة) في البيت السابق، والثقاف: الحديدة التي يُقوّم بها الرمح، والعشوزنة: الصلبة القوية، والزبون: الدفوع. جعل القناة التي لا يمكن تقويمها ولا إصلاح ما فيها مثلا لعزتهم التي لا تتضعضع، فإذا حاول أحد إصلاحها او تقويمها نفرت، وظلت كما هي شديدة صلبة دفوعا. والشاهد أن الاشمئزاز معناه: النفور والإباء والكبر.