{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ أِلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنّهُمْ إِذ ظّلَمُوَاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوّاباً رّحِيماً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : لم نرسل يا محمد رسولاً إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليه ، يقول تعالى ذكره : فأنت يا محمد من الرسل الذين فرضت طاعتهم على من أرسلته إليه . وإنما هذا من الله توبيخ للمحتكمين من المنافقين الذين كانوا يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما اختصموا فيه إلى الطاغوت ، صدودا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول لهم تعالى ذكره : ما أرسلت رسولاً إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليه ، فمحمد صلى الله عليه وسلم من أولئك الرسل ، فمن ترك طاعته والرضا بحكمه واحتكم إلى الطاغوت ، فقد خالف أمري وضيع فرضي . ثم أخبر جلّ ثناؤه أن من أطاع رسله ، فإنما يطيعهم بإذنه ، يعني بتقديره ذلك وقضائه السابق في علمه ومشيئته . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قول الله : { إلاّ لِيُطاعَ بإذْنِ اللّهِ } واجب لهم أن يطيعه من شاء الله ، ولا يطيعهم أحد إلا بإذن الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
وإنما هذا تعريض من الله تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين بأن تركهم طاعة الله وطاعة رسوله والرضا بحكمه ، إنما هو للسابق لهم من خذلانه وغلبة الشقاء عليهم ، ولولا ذلك لكانوا ممن أذن له في الرضا بحكمه والمسارعة إلى طاعته .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أنّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابا رَحِيما } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الاَيتين ، الذين إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدّوا صدودا ، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياها العظيم من الإثم في احتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسنة رسوله ، إذا دعوا إليها جاءوك يا محمد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك ، جاءوك تائبين منيبين ، فسألوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم ، وسأل لهم الله رسوله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك . وذلك هو معنى قوله : { فاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ } .
وأما قوله : { لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابا رَحِيما } فإنه يقول : لو كانوا فعلوا ذلك فتابوا من ذنوبهم لوجدوا الله توّابا ، يقول : راجعا لهم مما يكرهون إلى ما يحبون ، رحيما بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه . وقال مجاهد : عني بذلك : اليهودي والمسلم اللذان تحاكما إلى كعب بن الأشرف .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ } . . . إلى قوله : { وَيُسَلّمُوا تَسْلِيما } قال : إن هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف .
{ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } بسبب إذنه في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه ، وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمه وإن أظهر الإسلام كان كافرا مستوجب القتل ، وتقريره أن إرسال الرسول لما لم يكن إلا ليطاع كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته ومن كان كذلك كان كافرا مستوجب القتل . { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بالنفاق أو التحاكم إلى الطاغوت . { جاؤوك } تائبين من ذلك وهو خبر أن وإذ متعلق به . { فاستغفروا الله } بالتوبة والإخلاص . { واستغفر لهم الرسول } واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعا ، وإنما عدل الخطاب تفخيما لشأنه وتنبيها على أن من حق الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظم جرمه ويشفع له ، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب . { لوجدوا الله توابا رحيما } لعلموه قابلا لتوبتهم متفضلا عليهم بالرحمة ، وإن فسر وجد بصادف كان توابا حالا ورحيما بدلا منه أو حالا من الضمير فيه .
وقوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } تنبيه على جلالة الرسل ، أي : فأنت يا محمد منهم ، تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك ، و { ليطاع } ، نصب بلام كي ، و { بإذن الله } معناه بأمر الله ، وحسنت العبارة بالإذن ، إذ بنفس الإرسال تجب طاعته وإن لم ينص أمر بذلك ، ويصح تعلق الباء من قوله { بإذن } ب { أرسلنا } ، والمعنى وما أرسلنا بأمر الله أي بشريعته وعبادته من رسول إلا ليطاع ، والأظهر تعلقه ب «يطاع » والمعنى : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بأمر الله بطاعته .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وعلى التعليقين فالكلام عام اللفظ خاص المعنى ، لأنا نقطع أن الله تبارك وتعالى قد أراد من بعض خلقه ألا يطيعوا ، ولذلك خرجت طائفة معنى الإذن إلى العلم ، وطائفة خرجته إلى الإرشاد لقوم دون قوم ، وهذا تخريج حسن ، لأن الله إذا علم من أحد أنه يؤمن ووفقه لذلك فكأنه أذن له فيه ، وحقيقة الإذن : التمكين مع العلم بقدر ما مكن منه ، وقوله تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } الآية ، معناه : بالمعصية والنفاق ، ونقصها حظها من الإيمان و { استغفروا الله } معناه : طلبوا مغفرته ، وتابوا إليه رجعوا ، و { تواباً } : معناه راجعاً بعباده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.