القول في تأويل قوله تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ } .
يقول تعالى ذكره : كيلا يكون ما أفاء الله على رسوله دُولة بين الأغنياء منكم ، ولكن يكون للفقراء المهاجرين . وقيل : عُني بالمهاجرين : مهاجرة قريش .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ من قريظة جعلها لمهاجرة قريش .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، قالا : كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحجّ عليها ويغزو ، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء ، وجعل لهم سهما في الزكاة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله للْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ الّذِينَ أُخُرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ . . . إلى قوله أولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ قال : هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر ، خرجوا حبا لله ولرسوله ، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدّة ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها .
وقوله : { الّذِينَ أخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأمْوَالِهِمْ } ، وقوله : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللّهِ وَرِضْوَانا }موضع يبتغون نصب ، لأنه في موضع الحال وقوله : { وَيَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } يقول : وينصرون دين الله الذي بعث به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم . وقوله : { أولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ }يقول : هؤلاء الذين وصف صفتهم من الفقراء المهاجرين هم الصادقون فيما يقولون .
{ للفقراء المهاجرين }بدل من لذي القربى و ما عطف عليه فإن الرسول لا يسمى فقيرا ومن أعطى أغنياء ذوي القربى خصص الإبدال بما بعده ، والفيء بفيء بني النضير ، { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم }فإن كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم ، { يبتغون فضلا من الله ورضوانا }حال مقيدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم ، { وينصرون الله ورسوله } بأنفسهم وأموالهم ، { أولئك هم الصادقون }في إيمانهم .
وقوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } بيان لقوله : { والمساكين وابن السبيل } فكرر لام الجر لما كانت الأولى مجرورة باللام ليبين أن البدل إنما هو منها ، ثم وصفهم تعالى بالصفة التي تقتضي فقرهم وتوجب الإشفاق عليهم وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم ، وجميع المهاجرين إما أخرجهم الكفار وإما أحوال الكفار وظهورهم ، وفرض الهجرة في ذلك الوقت ، ووصفهم بالفقر وإن كان لهم بعض أحوال وهي حال للفقر في اللغة ، وقد مضى بيان هذا في سورة الكهف .
وقوله { يبتغون } في موضع الحال ، و «الفضل والرضوان » يراد به الآخرة والجنة ، و «نصر الله » تعالى هو نصر شرعه ونبيه ، و { الصادقون } في هذه الآية يجمع صدق اللسان وصدق الأفعال ، لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.