جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مّن رّبّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونِي فِيَ أَسْمَآءٍ سَمّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مّا نَزّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوَاْ إِنّي مَعَكُمْ مّنَ الْمُنْتَظِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال هود لقومه : قد حلّ بكم عذاب وغضب من الله . وكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لنا عنه ، يزعم أن الرجز والرجس بمعنى واحد ، وأنها مقلوبة ، قُلبت السين زايا ، كما قلبت شئز وهي من شئس بسين ، وكما قالوا قربوس وقربوز ، وكما قال الراجز :

ألا لَحَى اللّهُ بَنِي السّعْلاتِ ***عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعٍ لِئامِ النّاتِ

***لَيْسُوا بأعْفافٍ وَلا أكْياتِ ***

يريد الناس . وأكياس فقُلبت السين تاء ، كما قال رؤبة :

كَمْ قَدْ رأيْنا مِنْ عَدِيدِ مُبْزِي ***حتى وَقَمْنا كَيْدَهُ بالرّجْزِ

ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقول : الرجز : السخط .

حدثني بذلك المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ رِجْسٌ يقول : سخط .

وأما قوله : أتُجادِلُونَنِي في أسْماءٍ سَمّيْتمُوها أنْتُمْ وآباؤُكُمْ فإنه يقول : أتخاصمونني في أسماء سميتموها أصناما لا تضرّ ولا تنفع أنتم وآباؤكم ما نَزّلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ يقول : ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجون بها ولا معذرة تعتذرون بها . لأن العبادة إنما هي لمن ضرّ ونفع وأثاب على الطاعة وعاقب على المعصية ورزق ومنع ، فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس فإنه لا نفع فيه ولا ضرّ ، إلاّ أن تتخذ منه آلة ، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه لأن الله يأذن بذلك ، فيعذر من عبده بأنه يعبده اتباعا منه أمر الله في عبادته إياه ، ولا هو إذ كان الله لم يأذن في عبادته مما يرجى نفعه أو يخاف ضرّه في عاجل أو آجل ، فيعبد رجاء نفعه أو دفع ضرّه . فانْتَظِرُوا إنّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرينَ يقول : فانتظروا حكم الله فينا وفيكم ، إني معكم من المنتظرين حكمه وفصل قضائه فينا وفيكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

{ قال قد وقع عليكم } قد وجب وحق عليكم ، أو نزل عليكم على أن المتوقع كالواقع . { من ربكم رجس } عذاب من الارتجاس وهو الاضطراب . { وغضب } إرادة انتقام . { أتجادلونني في أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان } أي في أشياء سميتموها آلهة وليس فيها معنى الإلهية ، لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل ، وأنها لو استحقت كان استحقاقها بجعله تعالى أما بإنزال آية أو بنصب حجة ، بين أن منتهى حجتهم وسندهم أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقق المسمى ، وإسناد الإطلاق إلى من لا يؤبه بقوله إظهارا لغاية جهالتهم وفرط غباوتهم ، واستدل به على أن الاسم هو المسمى وأن اللغات توقيفية إذ لو لم يكن كذلك لم يتوجه الذم والإبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله بها سلطانا وضعفهما ظاهر . { فانتظروا } لما وضح الحق وأنتم مصرون على العناد نزول العذاب بكم . { إني معكم من المنتظرون } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

أعلمهم بأن القضاء قد نفذ وحل عليهم الرجس وهو السخط والعذاب يقال «رجس ورجز » بمعنى واحد ، قاله أبو عمرو بن العلاء ، وقال الشاعر : [ الطويل ]

إذا سنة كانت بنجد محيطة*** فكان عليهم رجسها وعذابها

وقد يأتي الرجس أيضاً بمعنى النتن والقذر ، ويقال في الرجيع رجس وركس ، وهذا الرجس هو المستعار للمحرمات ، أي ينبغي أن يجتنب كما يجتنب النتن ، ونحوه في المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في خبر جهجاه الغفاري وسنان بن وبرة الأنصاري حين دعوا بدعوى الجاهلية : «دعوها فإنها منتنة » وقوله : { أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم } إنما يريد أنهم يخاصمونه في أن تسمى آلهة ، فالجدل إنما وقع في التسميات لا في المسميات ، لكنه ورد في القرآن { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم } فهنا لا يريد إلا ذوات الأصنام ، فالاسم إنما يراد به المسمى نفسه .

قال القاضي أبو محمد : ومن رأى أن الجدل في هذه الآية إنما وقع في أنفس الأصنام وعبادتها تأول هذا التأويل ، والاسم يرد في كلام العرب بمعنى التسمية وهذا بابه الذي استعمله به النحويون ، وقد يراد به المسمى ويدل عليه ما قاربه من القول ، من ذلك قوله تعالى : { سبح اسم ربك الأعلى } وقوله { تبارك اسم ربك } [ الرحمن : 78 ] على أن هذا يتأول ، ومنه قول لبيد : [ الطويل ]

إلى الحوِل ثمَّ اسمُ السلام عليكما . . . . . . . . . . . . . . . . . .

على تأويلات في البيت ، وقد مضت المسألة في صدر الكتاب والسلطان : البرهان وقوله { فانتظروا إني معكم من المنتظرين } الآية وعيد وتهديد .