القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصّالِحُونَ } .
اختلف أهل التأويل في المعنىّ بالزّبور والذكر في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُني بالزّبور : كتب الأنبياء كلها التي أنزلها الله عليهم ، وعُني بالذكر : أمّ الكتاب التي عنده في السماء . ذكر من قال ذلك :
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال : سألت سعيدا ، عن قول الله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ قال : الذكر : الذي في السماء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ قال : قرأها الأعمش : «الزّبُر » قال : الزبور ، والتوراة ، والإنجيل ، والقرآن مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ قال : الذكر الذي في السماء .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الزّبُورِ قال : الكتاب . مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ قال : أمّ الكتاب عند الله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : الزّبُورِ قال : الكتاب . بَعْدِ الذّكْرِ قال : أم الكتاب عند الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ قال : الزبور : الكتب التي أُنزلت على الأنبياء . والذكر : أمّ الكتاب الذي تُكتب فيه الأشياء قبل ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد ، في قوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ قال : كتبنا في القرآن من بعد التوراة .
وقال آخرون : بل عُني بالزّبور : الكتب التي أنزلها الله على مَنْ بعد موسى من الأنبياء ، وبالذكر : التوراة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدَ الذّكْرِ . . . الاَية ، قال : الذكر : التوراة ، والزبور : الكتب .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ . . . الاَية ، قال : الذكر : التوراة ، ويعني بالزبور من بعد التوراة : الكتب .
وقال آخرون : بل عُني بالزّبور زَبور داود ، وبالذكر تَوراة موسى صلى الله عليهما . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عامر أنه قال في هذه الاَية : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ قال : زبور داود . من بعد الذكر : ذكر موسى التوراة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن الشعبيّ ، أنه قال في هذه الاَية : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ قال : في زبور داود ، من بعد ذكر موسى .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك ما قاله سعيد بن جُبير ومجاهد ومن قال بقولهما في ذلك ، من أن معناه : ولقد كتبنا في الكتب من بعد أمّ الكتاب الذي كتب الله كل ما هو كائن فيه قبل خلق السموات والأرض . وذلك أن الزبور هو الكتاب ، يقال منه : زبرت الكتاب وذَبرته : إذا كتبته ، وأن كلّ كتاب أنزله الله إلى نبيّ من أنبيائه ، فهو ذِكْر . فإذ كان ذلك كذلك ، فإن في إدخاله الألف واللام في الذكر ، الدلالة البينة أنه معنيّ به ذكر بعينه معلوم عند المخاطبين بالاَية ، ولو كان ذلك غير أمّ الكتاب التي ذكرنا لم تكن التوراة بأولى من أن تكون المعنية بذلك من صحف إبراهيم ، فقد كان قبل زَبور داود .
فتأويل الكلام إذن ، إذ كان ذلك كما وصفنا : ولقد قضينا ، فأثبتنا قضاءنا في الكتب من بعد أمّ الكتاب ، أن الأرض يرثها عبادي الصالحون يعني بذلك : أن أرض الجنة يرثها عبادي العاملون بطاعته المنتهون إلى أمره ونهيه من عباده ، دون العاملين بمعصيته منهم المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى القَتّات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قوله : أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ قال : أرض الجنة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ قال : أخبر سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والأرض ، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ويُدخلهم الجنة ، وهم الصالحون .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جُبير في قوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ قال : كتبنا في القرآن بعد التوراة ، والأرض أرض الجنة .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ قال : الأرض : الجنة .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال : سألت سعيدا عن قول الله : أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ قال : أرض الجنة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : أنّ الأرْضَ قال : الجنة ، يَرِثُها عِبادِيَ الصّالحُونَ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ قال : الجنة . وقرأ قول الله جلّ ثناؤه : وَقالُوا الحَمْدِ للّهِ الّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأوْرَثنَا الأَرْضَ نَتَبَوّأُ مِنَ الجَنةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ قال : فالجنة مبتدؤها في الأرض ثم تذهب درجات عُلوّا ، والنار مبتدؤها في الأرض وبينهما حجاب سُور ما يدري أحد ما ذاك السور ، وقرأ : بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحَمةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ قال : ودرجها تذهب سَفالاً في الأرض ، ودرج الجنة تذهب عُلوّا في السموات .
حدثنا محمد بن عوف ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا صفوان ، سألت عامر بن عبد الله أبا اليمان : هل لأنفس المؤمنين مجتمع ؟ قال : فقال : إن الأرض التي يقول الله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ قال : هي الأرض التي تجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث .
وقال آخرون : هي الأرض يورثها الله المؤمنين في الدنيا .
وقال آخرون : عُني بذلك بنو إسرائيل وذلك أن الله وعدهم ذلك فوفيّ لهم به . واستشهد لقوله ذلك بقول الله : وأَورَثْنا القَوْمَ الّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبَها الّتِي بارَكْنا فِيها . وقد ذكرنا قول من قال : أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ أنها أرض الأمم الكافرة ، ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهو قول ابن عباس الذي رَوَى عنه عليّ بن أبي طلحة .
{ ولقد كتبنا في الزبور } في كتاب داود عليه السلام . { من بعد الذكر } أي التوراة ، وقيل المراد ب { الزبور } جنس الكتب المنزل وب { الذكر } اللوح المحفوظ . { أن الأرض } أي أرض الجنة أو الأرض المقدسة . { يرثها عبادي الصالحون } يعني عامة المؤمنين أو الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ، أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.