اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّـٰلِحُونَ} (105)

ثم حقق ذلك بقوله { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور } قرأ حمزة بضم الزاي ، والباقون بفتحها{[29879]} بمعنى المزبور{[29880]} كالمحلوب والمركوب{[29881]} ، يقال : زبرت الكتاب أي : كتبته{[29882]} . والزُّبور بضم الزاي جمع زِبْرَة كقِشرة وقُشُور{[29883]} . ومعنى القراءتين واحد ، لأنّ الزبور هو الكتاب .

قال سعيد بن{[29884]} جبير ومجاهد والكلبي ومقاتل : «الزَّبُور » جميع الكتب المنزلة ، و «الذِّكْر » أم الكتاب الذي عنده ، والمعنى من بعد ما كتب ذكره في اللوح المحفوظ . وقال ابن عباس والضحاك : الزبور : التوراة ، والذكر : الكتب المنزلة من بعد التوراة . وقال قتادة والشعبي : الزبور والذكر : التوراة . وقيل : الزبور : زبور داود ، والذكر{[29885]} : القرآن ، و «بَعْدِ » بمعنى قبل{[29886]} كقوله : { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ }{[29887]} أي{[29888]} : أمامهم . { والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }{[29889]} أي : قبله{[29890]} . وقيل : الزبور : زبور داود ، والذكر هو ما روي أنه -عليه السلام{[29891]}- قال : «كان الله ولم يكن معه شيء ثم خلق الذكر »{[29892]} قوله : { مِن بَعْدِ الذكر } يجوز أن يتعلق ب " كتبنا " {[29893]} ، ويجوز أن يتعلق بنفس «الزَّبُور » لأنه بمعنى المزبور ، أي : المكتوب ، أي : المزبور من بعد{[29894]} . ومفعول «كَتَبْنَا » «أنَّ » وما في حيزها ، أي : كتبنا وراثة الصالحين للأرض ، أي : حكمنا به{[29895]} قوله : «أنَّ الأَرْضَ » يعني{[29896]} أرض الجنة { يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون } قال مجاهد : يعني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويدل عليه قوله تعالى : { وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض }{[29897]} وقال ابن عباس : أراد أراضي الكفار يفتحها المسلمون ، وهذا حكم من الله تعالى بإظهار الدين وإعزاز المسلمين .

وقيل : أراد{[29898]} الأرض المقدسة{[29899]} يرثها الصالحون لقوله تعالى : { وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا }{[29900]}


[29879]:السبعة (431)، الكشف 2/402، النشر 2/253، الإتحاف (312).
[29880]:في الأصل: المصدور. وفي ب: الزبور- وهو تحريف.
[29881]:في الأصل: والمقبوض المركوب.
[29882]:اللسان (زبر).
[29883]:على ترك الاعتداد بالتاء، وذلك لأن فعول – بضم الفاء والعين – من أمثلة جمع الكثرة ويطرد في خمسة أوزان: الأول: ما كان على فَعِل – بفتح الفاء وكسر العين – نحو كيد وكيود، ونمر ونمور. الثاني: ما كان اسما على فعل – بفتح الفاء وسكون العين – وليست عينه واوا نحو كعب وكعوب. الثالث: ما كان اسما على فعل – بكسر الفاء وسكون العين – نحو حمل وحمول. الرابع: ما كان اسما على فعل – بضم الفاء والعين – وليست عينة واوا، ولا لامه ياء ولا مضعفا نحو جند وجنود. الخامس: ما كان على فعل – بفتح الفاء والعين - اسما غير مضعف نحو أسد وأسود، وشجن وشجون. انظر شرح الأشموني 4/135-137.
[29884]:في النسختين: شعبة. من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/541-542.
[29885]:في ب: الذكر.
[29886]:قال أبو حاتم: وقالوا: قبل وبعد من الأضداد، وقال في قوله عز وجل: {والأرض بعد ذلك دحاها} أي: قبل ذلك. قال الأزهري: والذي قاله أبو حاتم عمن قاله خطأ قبل وبعد كل واحد منهما نقيض صاحبه، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر، وهو كلام فاسد، وأما قول الله عز وجل {والأرض بعد ذلك دحاها}، فإن السائل يسأل عنه فيقول: كيف قال بعد ذلك والأرض أنشأ خلقها قبل السماء، والدليل على ذلك قوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9] فلما فرغ من ذكر الأرض وما خلق فيها قال: {ثم استوى إلى السماء} [فصلت: 11]. وثم لا يكون إلا بعد الأول الذي ذكره قبله، ولم يختلف المفسرون أن خلق الأرض سبق خلق السماء، والجواب فيما سأل عنه السائل أن الدَّحو غير الخلق، وإنما هو البسط، والخلق هو الإنشاء الأول فالله عز وجل خلق الأرض أولا غير مدحوة ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض أي بسطها. انظر اللسان (بعد).
[29887]:يأخذ: سقط من الأصل. [الكهف: 79].
[29888]:أي: سقط من ب.
[29889]:[النازعات: 30].
[29890]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/451-542.
[29891]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[29892]:انظر الفخر الرازي 22/229.
[29893]:في ب: لكتبنا. وهو تحريف. التبيان 2/929.
[29894]:انظر التبيان 2/929.
[29895]:به: سقط من ب.
[29896]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/542-543.
[29897]:[الزمر: 74].
[29898]:أراد: سقط من ب.
[29899]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/542-543.
[29900]:[الأعراف: 137].