السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّـٰلِحُونَ} (105)

ثم إنه تعالى حقق ذلك بقوله تعالى : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } قال سعيد بن جبير ومجاهد الزبور جميع كتب الله تعالى المنزلة والذكر أمّ الكتاب الذي عنده ، ومعناه من بعدما كتب ذكره في اللوح المحفوظ ، وقال ابن عباس والضحاك : الزبور والتوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة ، وقال الشعبي : الزبور كتاب داود الذكر التوراة ، وقيل : الزبور كتاب داود عليه السلام ، والذكر القرآن ، وبعد بمعنى قبل كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك } [ الكهف ، 79 ] أي : أمامهم ، وقوله تعالى : { والأرض بعد ذلك دحاها } [ النازعات ، 30 ] أي : قبله ، وقرأ حمزة بضم الزاي والباقون بفتحها { أن الأرض } أي : أرض الجنة { يرثها عبادي } وحقق ذلك ما أفادته إضافتهم إليه بقوله تعالى : { الصالحون } أي : المتحققون بأخلاق أهل الذكر ، المقبلون على ربهم الموحدون له ، المشفقون من الساعة ، الراهبون من سطوته ، الراغبون في رحمته ، الخاشعون له ، فهذا عام في كل صالح ، وقال مجاهد : يعني أمّة محمد صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى : { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء } [ الزمر ، 74 ] وقال ابن عباس : أراد أنّ أراضي الكفار يفتحها المسلمون ، وهذا حكم من الله تعالى بإظهار الدين وإعزاز المسلمين ، وقيل : أراد بالأرض الأرض المقدسة ، وقيل : أراد جنس الأرض الشامل لبقاع أرض الدنيا كلها ولأرض المحشر والجنة وغير ذلك مما يعلمه الله تعالى ، وجرى على هذا البقاعي في تفسيره ، وقرأ حمزة بسكون الياء ، والباقون بفتحها .